لا أحد يمكن أن ينكر بأن وجه و ملامح الدولة التونسية قد تغيرت منذ تاريخ و أحداث 25 جويلية، حيث مثلت قرارات سعيد منذ تلك اللحظة نقلة نوعية لم تشهد لها الجمهورية التونسية مثيلا من ناحية الجرأة و من ناحية نوعية القرارات.
و يمكن أن نلاحظ هذا التغير العميق خاصة على مستوى السياسة، التي أصبحت مؤخرا محل متابعة واسعة و شاسعة من قبل الجمهور التونسي بكامل فئاته.. و لتكون الصورة أوضح و أقرب لذهن القارئ سنركز على تلك الوجوه السياسية التي كانت تتسم بالنشاط المفرط و الحيوية المتفجرة قبل 25 جويلية، و التي انطفأت فجأة و دون سابق إنذار، إذ خفت اشعاعها و سكت أو أسكت صوتها في لحظة تكاد تكون واحدة! هذا عدا الضربة المؤلمة التي تلقتها الأحزاب التونسية على بكرة أبيها، حيث لم تعد الكيانات الحزبية بنفس القوة و التأثير السابق لفترة 25 جويلية، باستثناء حزب عبير موسي.
و من أبرز الغائبين الدكتور لطفي المرايحي حيث كانت لهذا الرجل العديد من النشاطات السياسية المفعمة بالحياة و الحيوية، فكانت له العديد من المؤتمرات السياسية التي تحدث فيها عن الخور الموجود على مستوى سياسات الدولة خاصة في التصدي لجائحة كورونا، و كان أيضا من أشد المعارضين و المحتجين سواء ضد رئيس الجمهورية قيس سعيد أو رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي… بل كانت هناك فترة كان من الممكن أن يتم فيها اعتماد المرايحي رئيسا للحكومة نظرا لتلك الشهرة الواسعة التي أصبح يحظى بها لدى كل متابعيه.. خاصة و أنه في قلب السياسة كونه الأمين العام لحزب الإتحاد الشعبي الجمهوري.
بل إن المرايحي كانت له حظوظ كبيرة ليكون من ضمن الأوائل في الرئاسة. و يبدو أن الدكتور المرايحي قد خير في هذا الظرف النأي بنفسه عن عالم السياسة، و عدم التدخل إلا نادرا، لأنه رجل هادئ بطبعه و من أشد المتمسكين و المتشبثين بالتمشي الديمقراطي.
* و من أبز الوجوه التي غابت تماما عن المشهد السياسي، إلى درجة أنها تكاد تكون توفيت سياسيا، الهاشمي الحامدي و محمد بن سالم مع النهضة و أيضا محسن مرزوق و يوسف الشاهد الذي غادر الوطن منذ فترة تناهز الشهرين، علما و أن حزبه “تحيا تونس” بصدد خوض مؤتمره، و لا نعلم إن كان سيسجل حضوره ضمن هذا المؤتمر المرتقب أم لا! و مهدي جمعة الذي اندثر حزبه و تلاشى، و أيضا محسن مرزوق الذي يشرف على تسيير حزبه من الخارج، و ياسين إبراهيم الذي تخلى عن قيادة الحزب الجمهوري ليخلفه فيها الفاضل عبد الكافي، و نبيل القروي و سليم الرياحي و حافظ قايد السبسي، و غيرهم… كانت هذه الشخصيات تؤثر في الشأن و الرأي العام بعمق و بصفة تكاد تكون يومية بلا انقطاع، و كانت لها بروزات عبر مختلف وسائل الإعلام، حيث تعبر بكل حرية و جرأة عن آرائها و مواقفها، بل إنها تتحكم في جزء كبير من المشهد السياسي التونسي ككل، و لكن فجأة اختفت كل هذه الشخصيات، و هو ما يدفعنا للتساؤل عن الأسباب العميقة التي أدت لإنسحاب هؤلاء تماما من الحياة السياسية؟! إذ لم نعد نسمع شيئا عن زياد الأخضر القيادي بالوطد الموحد و كذلك أحمد الصديق و أيضا حمادي الجبالي و عبد الفتاح مورو، و السيدة وداد بوشماوي سيدة الأعمال التونسية، و رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية السابعة من 2011 إلى 2018، و التي كانت أحد عناوين جائزة نوبل و الحوار الوطني، و التي اختفت بدورها.
لم نعد أيضا نشاهد السيد إلياس الفخفاخ إذ كان دائم الوجود و لكنه تلاشى تماما، و يبدو أنه في انتظار حكم قضية تضارب المصالح.
كما لم نعد نرى مصطفى بن جعفر، و هو رئيس المجلس الوطني التأسيسي سابقا، و رئيس حزب التكتل، كان من أحد أقوى المعارضين لنظام الراحل بن علي، كما لعب أدوارا كبيرة بعد 2011 في الحياة السياسية، و كان دائم الظهور على وسائل الإعلام، و لكنه اختفى و يبدو أنه لا يظهر إعلاميا و لكنه يتحرك سياسيا في الخفاء.
يبدو أن الأوضاع الجديدة التي فرضها رئيس الجمهورية بعد 25 جويلية قد فرضت على بعض الأشخاص الإنسحاب تماما من الساحة السياسية، و بالتالي نحن أمام ظهور جيل جديد من السياسيين سيلغي ما كان قائما قبله.