تعدّ تونس من بين الدول التي حقّقت تقدّمًا كبيرًا في تمكين المرأة سياسيًا واقتصاديًا، حيث تقلّدت النساء مناصب هامة في الإدارة. لكن، على الرغم من هذا التقدّم، ما زالت عطلة الولادة تُعَد نقطة ضعف رئيسية في المنظومة القانونية والتشريعية المتعلقة بحقوق المرأة في تونس.
فعطلة الولادة لا تنصف الأمهات العاملات وتحتم عليهن العودة لممارسة عملهن، خاصّة في القطاع الخاصّ، بعد شهرين من الولادة، وهو يشكّل تهديدًا للصحة النفسية والجسدية للأمهات ويؤثّر على حقوق الأطفال في الرعاية والرضاعة الطبيعية.
حراك مدني
تقود العديد من المنظمات الحقوقية والمجتمعية حراكًا وجهودا متواصلة للعمل على تعديل قانون عطلة الأمومة سواء في القطاع العام أو الخاص. وقد انخرط في هذه الحملة الوطنية عدد من النواب ضمن حملة مناصرة لدعم مشروع القانون وتمريره بشكل يلبي انتظارات التونسيين في مجلس النواب الجديد بعد أن تعثر تمريره في المجلس السابق.
ويتطلّب التطرق لهذه المشكلة اهتمامًا وجهودًا مشتركة لإيجاد حل جذري يُحسن وضع عطلة الأمومة في تونس ويُحقق توازنًا بين حقوق الأمهات العاملات وحاجة الأطفال للرعاية والنمو الصحيح.
إقصاء المجتمع المدني
المديرة التنفيذية لجمعية كلام فريال جرادي شرف الدين، أفادت لموزاييك بأنّ مشروع القانون الذي تقدّمت به وزارة المرأة إلى البرلمان السابق، مشروع أحادي صاغته وزارة المرأة بشكل منفرد دون تشريك منظمات المجتمع المدني.
وأشارت إلى أنّ مشروع القانون المتعلق بعطلة الأمومة الذي قدمته وزارة المرأة رفضه البرلمان السابق وطلب مراجعته ولم يتضمّن أيّ تغييرات جذرية وتضمن الزيادة بشهر فقط في عطلة الأمومة ولم يتضمن عطلة للأب.
كما أكدت فريال شرف الدين أنّ مشروع القانون المنتظر عرضه مجددا على البرلمان الحالي لم يتضمن التنصيص على أن عطلة الأمومة ليست عطلة مرضية الأمر الذي بإمكانه التأثير على المسار المهني للنساء.
مسؤولية مشتركة للأب والأم
واعتبرت المكلفة بالإعلام والاتصال في جمعية تقاطع مي العبيدي أن العطلة التي تتمتع بها المرأة بعد الولادة غير كافية خصوصًا وأنها تكون مضغوطة نفسياً وجسدياً. وأكدت أن عطلة بشهرين غير كافية، مشيرة إلى أن الإطلاع على تجارب مقارنة في دول أخرى، يبين أن القوانين تضمن التنصيص على عطلة للأب كذلك لأن مسؤولية تربية الأطفال مشتركة وليست حكراً على المرأة فقط.
وضعية كارثية للأمومة في تونس
تصف الباحثة في علم الاجتماع هندة الشناوي وضعية الأمومة في تونس بصفة عامة بالكارثية، وذلك انطلاقا من الحديث فقط في تونس عن عطلة الأمومة في حين أنّ مختلف دول العالم تتحدث عن عطلة ولادة وعطلة أمومة وعطلة أبوة وهذه العطل لا ينص عليها التشريع التونسي وهو ما ينعكس سلبًا على حياة الأم كمرأة عاملة ويعود بالضرر على الرضيع والعائلة بشكل عام.
”في تونس يضمن القانون أسبوعين للمرأة الحامل وشهرين فقط اثر الولادة وهذه المدة غير كافية لا للرضاعة أو للاعتناء بالطفل ولا للراحة النفسية والجسدية ” تؤكد الشناوي.
وتحتم هذه الوضعية على النساء إما اختيار مواصلة العمل أو الأمومة وهو ما يعطل الدورة الاقتصادية في البلاد ويُعطل الاعتناء بالأطفال ويتطلب تكلفة مادية باهظة الثمن للعائلة للاعتناء بأطفالهم.
وتشير الشناوي إلى أن الدولة التونسية لا تضمن للأب سوى يوم واحد أو يومان من أجل القيام بالإجراءات الإدارية المتعلقة بتسجيل الطفل وهو ما يحرم الأب من رعاية طفله وينعكس سلبًا على التربية وعلاقته بابنه والصحة النفسية والجسدية للأم التي تتحمل مسؤولية التربية بمفردها.
وتؤكّد الشناوي أنّ الأم تكون إثر الولادة في حالة جسدية ونفسية منهكة وتجد صعوبة في التعامل مع ما يسمى بحالة اكتئاب ما بعد الولادة بمفردها في ظل المسؤوليات المنوطة بعهدتها في رعاية الرضيع، ويتم مطالبتها بعد 8 أسابيع إلى العمل بدوام كامل دون توفير مكان مناسب لشفط الحليب وتوفير الظروف المناسبة للرضاعة الطبيعية.
وأمام هذه الوضعية تجد العديد من الأمهات أنفسهن مجبرات على وضع أطفالهن في فضاءات غير مرخصة لها أو لدى أقاربهن وهو ما يتسبب في ضغط نفسي كبير للأم والطفل أو تجد نفسها مجبرة على التنازل عن عملها وهو ما يعتبر ضربًا لحق النساء في الشغل واستقلاليتها المادية وللدورة الاقتصادية ودور النساء في دفع الاقتصاد الوطني.
قانون تنتظره جميع أمهات تونس
النائب في البرلمان الحالي ونائب رئيس لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشّؤون الاجتماعية وذوي الإعاقة، علي بوزوزية، أكد أن مشروع قانون عطلة الأمومة تنتظره جميع أمهات تونس المتزوجات والمقبلات على الزواج، معتبرا أن القانون الحالي متأخر ولا يضمن حقوق الأم والرضيع على حد السواء.
وأكّد أنّ عطلة بشهرين للأم بعد الولادة غير كافية لأنّها تتسبّب في انقطاع الطفل عن الرضاعة وما بإمكانه أن ينجر عن ذلك من تأثيرات على صحته، مؤكّدا في الوقت نفسه ضرورة الترفيع في فترة عطلة الأمومة إلى 3 أشهر أو أكثر.
وتحدّث نائب رئيس لجنة الصحة وشؤون المرأة والأسرة والشؤون الاجتماعية بالبرلمان عن تحديات كبرى سيواجهها مشروع القانون المنتظر عرضه على البرلمان في الفترة القادمة متأتية أساسًا من قبل أصحاب المؤسّسات الخاصّة وحتّى من قبل الحكومة التي ستتعلّل بصعوبة الوضع الاقتصادي.
“وتعهّد النائب علي بوزوزية بالتسريع في النظر في مشروع قانون عطلة الأمومة فور انتهاء العطلة البرلمانية فور إيداعه من قبل وزارة المرأة في البرلمان أو صياغة مشروع قانون جديد بالتشارك مع الدينامكية النسوية ومنظمات المجتمع المدني؛ نظرًا لأهميته المجتمعية ودوره في تحسين وضعية العائلة التونسية، خصوصًا في ظل التشريعات الحالية التي تحرم الأمهات من توفير رضاعة طبيعية لأطفالهن، مما يدفعهن للجوء إلى المحاضن وروض الأطفال، ويتسبّب في ضعف صلة الأمهات بأطفالهن، مضيفا أنّ أبناء التونسيين تربيهم الشوراع حاليا، وفق تعبيره.