بعد خروجه من المستشفى العسكري . إلى متى تتنكر الدولة لمناضليها ؟
مقتطفات حوارية للمناضل الدكتور محمد مواعدة
أنا مناضل وطني منذ الخمسينات وقد أشرت إلى هذه المرحلة من حياتي في فصل خاص في كتابي «قصتي مع بن علي» بعنوان «جذور» وقد شمل هذا الفصل مساري الوطني من الحزب الحر الدستوري إلى الحزب الإشتراكي الدستوري إلى حركة الديمقراطييين الإشتراكيين.
2) هذا التاريخ النضالي الوطني والسياسي لا يسمح لي أبدا بأن أكون إنتهازيا سواء في العهد البورقيبي أو في عهد بن علي والأحداث والمناسبات والشواهد الدالة على ذلك كثيرة.
3) عرف تعاملي مع بن علي عدة منعرجات منذ صدور بيان 7 نوفمبر وخاصة منذ أن إستقبلني يوم الجمعة 25 ديسمبر 1987 بطلب منه وختمت ذلك اللقاء الذي قارب الساعتين والذي أكد فيه على صداقتنا مستقبلا وعلى أن يأخذ رأيي كلما دعت المناسبة لذلك … ختمت ذلك اللقاء بالقول «أشكرك على هذه الثقة وستكون صداقتنا طبقا للمقولة الإسلامية المعروفة «صديقك من صدقك لا من صدّقك» .
وقد حرصت على احترام هذه المقولة طيلة مراحل تعاملي معه.
4) المنعرج الحاسم في علاقاتنا كان مع الرسالة الشهيرة التي وجهتها لبن علي يوم 21 سبتمبر 1995 بعد أربعة أشهر من الانتخابات البلدية (ماي 1995) ورغم محاولات محمد الجري وعبد الله القلال ورفيق بالحاج قاسم خلال أربعة ليال قضيناها بقصر قرطاج مطالبينني بسحب هذه الرسالة فقد أصررت على عدم سحبها .
5) تم إيقافي يوم 10 أكتوبر 1995 بتهمة التعامل مع الأجنبي (النظام الليبي) ضد مصلحة تونس وتمت محاكمتي بعد ذلك وقضيت خمسة عشر شهرا في زنزانة إنفرادية رقم 7 بالسجن المدني 9 أفريل.
6) من أكتوبر1995 إلى مارس 2004 قضيت طيلة هذه السنوات بين السجن مرتين والإقامة الجبرية وشبه الجبرية…. تخللتها بعض الإنفراجات اغتنمتها للسفر إلى العديد من البلدان العربية والأوربية واصلت خلالها . تأكيد مواقفي الوطنية من ذلك – وهو ما جاء في الرسالة بكامل الوضوح- التأكيد على خطورة انتشار الفساد 7) خلال هذه المدة عانت عائلتي (زوجتي رحمها الله وأبنائي) شتى أنواع القمع والمحاصرة الأمنية والمادية مما أدى إلى مرض زوجتي إلى أن توفيت وقد بترت رجلاها الاثنتان … ولن أنسى أبدا الصورة التي عشتها عندما وضعت بنفسي جثمانها بالقبر وهي نصف جسد بكل ما في هذه الكلمة من معنى.
8) قام بن علي بإصدار عفو عني دون أن أطلب شيئا والإذن بإرجاع منحة التقاعد التي وقع حرماني منها طيلة السنوات الماضية.
9) إثر خروجي من هذه المحنة وتبعاتها الشاملة كانت أمامي أربع إحتمالات :
أ) مواصلة المواجهة وقد جربتها كاملة وفي أقصى الظروف.
ب) الخروج من تونس والعمل في مراكز الأبحاث والجامعات العربية ولكنني رفضت تلك العروض لأنني أفضل البقاء في تونس في زنزانة إنفرادية عوض حياة الراحة والرفاهة في الخارج.
ت) أن أبقى في تونس وأنسحب من النضال وأهتم بعائلتي وبأبحاثي الفكرية… وهذا ما سعى إليه بن علي بكل الوسائل والوساطات…
ث) أن أواصل النضال السياسي والميداني وهو إختياري القار والثابت. إن النضال الوطني عندي هو قضية وجودية .
وهذا التعامل السياسي الميداني يفرض التعامل مع بن علي في إتجاه الحرص على «ترويض» السلطة ودفعها تدريجيا للإصلاح طبقا لما جاء في بيان السابع من نوفمبر وفي نص الميثاق الوطني الذي ساهمت في تحريره.
طبعا التعامل السياسي يتضمن المد والجزر… التواصل والانفصال وهي طبيعة الأسلوب السياسي .
ج) استمر هذا التعامل بيني وبين بن علي إلى مراحله الأخيرة أي محاولات الترويض والاستدراج.
ح) أعترف بالنسبة إلي أنني أخطأت التقدير ولذلك إعتذرت لمناضلي حركتنا حركة الديمقراطيين الاشتراكيين ومن خلالهم إلى الشعب التونسي وقواه الديمقراطية.
أنه إجتهاد خاطئ…. ولكنه إجتهاد وليس إنتهازية.
ومن إجتهد وأصاب فله أجران ومن إجتهد ولم يصب فله أجر واحد.والرشوة والمحسوبية … وهي ممارسات أثارت بن علي أكثر من الجوانب السياسية المذكورة في الرسالة.