فشلت مساعي استرجاع الأموال المنهوبة فشلا ذريعا على مدى كامل الفترة الماضية، و كنا قد حاولنا في 2015 من خلال تركيز لجنة لاسترجاع الأموال، كانت قد عقدت إحدى عشرة اجتماعا و اتصلت بكل الوزارات، ليتم في الإبان وضع مشروع قانون سيعمل بمعية الدبلوماسية على استرجاع الأموال التونسية بالخارج. و لكن في الختام و أثناء حضوري شخصيا بمجلس وزاري فوجئت بأن العديد من الوزراء رفضوا رفضا قطعيا تمرير مشروع هذا القانون!
تم ضمن حكومة السيد “الحبيب الصيد” رفض تمرير مشروع القانون، و هم وزراء منضوون تحت راية و شعار نداء تونس، الذين أكدوا في الكواليس بأن هذا القانون لن يمر، و ذلك خشية إغضاب “جماعة مجلس النواب و الخارج”!
و قد رفض الملف تماما على مستوى اللجنة الأولى التي تم اختتامها بتاريخ 26 مارس 2015، حيث كان من المفترض تمرير مشروع القانون ليتم بعد ذلك و في ظرف أربع سنوات استرداد كل الأموال المنهوبة.. و لكن اتضح فيما بعد أنه لم يتم النظر في الأغلبية الساحقة من الملفات التي كانت بحوزة المكلف العام بنزاعات الدولة، لذلك تم الاتفاق على ترك الملفات على حالها.
و كان البنك المركزي قد طلب من المسؤولين أخذ الأوراق السرية المتعلقة بهذه الأموال، خاصة و أن محافظ البنك المركزي هو نفسه رئيس اللجنة، و لا تزال هذه الوثائق مخزنة بالبنك المركزي، و كان لدينا أمل بتركيز لجنة، إلا أن الإرادة كانت منعدمة، و لم تبذل أي جهود حقيقية في سبيل استرداد الأموال التونسية المهربة!
سفرات ما بعد الثورة سياحية خالصة و لا علاقة لها باسترداد ما نُهِبَ من أموال الدولة
في فترة زخم الثورة تم القيام بالعديد من السفرات قصد استرجاع الأموال المنهوبة.. إلا أن تلك السفرات كانت مجرد رحلات سياحية، إذ لم تسفر في نهاية المطاف عن شيء، و في سنة 2015 انتهى عمل اللجنة دون أن نتمكن من تحقيق أي شيء! رغم أن الحسابات المصرفية كانت متاحة لأفراد اللجنة من اجل الإطلاع عليها، و لكن رغم هذا لم تحقق اللجنة شيئا، و ذلك بسبب الاصطدام بالقوانين الأوروبية المستوجبة ضرورة للمحاكمة العادلة، و لم يبق لنا اليوم غير كندا.
مجلس الوزراء يرفض تمرير مشروع قانون استرداد الأموال المنهوبة
كانت اللجان متكونة من جميع الوزارات و الأساتذة الجامعيين و أيضا الإعلاميين… و قد تم إدخال العمل الدبلوماسي في التعامل مع دول الخليج العربية، و بعد عمل دام إحدى عشرة شهرا فوجئنا برفض مشروع القانون على مستوى مجلس الوزراء! و هي مفاجأة سيئة جدا حالت دون تحقيق أي تقدم يذكر.
أما عن التمديد في آجال تجميد الأموال فيمكن أن لا يؤتي أكله، فالتمديد في التجميد لا يضمن بأي شكل من الأشكال استعادة الأموال سواء من ألمانيا أو كندا أو غيرهما… لذلك نحن مطالبون بالعمل الفعلي و الجاد، من أجل استرداد أموالنا. و بالنسبة للجنة الرئيس فهي لا تزال غامضة، و لم تحقق إلى حد الآن أي نتائج علنية و ملموسة.
أياد خفية حالت دون عودة أو جلب بلحسن الطرابلسي إلى تونس
بالنسبة لبلحسن الطرابلسي أرسل لي بصفتي وزيرا، رسالة اعتذر فيها للشعب التونسي، و طلب الصلح مع الدولة التونسية. قصد العودة إلى أرض الوطن و الدخول تحت جناح العدالة الانتقالية، و يبدو لي أن هناك من نصحه بتفادي الرجوع إلى تونس، خاصة أن قدومه سيجلي الغموض و يرفع اللبس عن العديد من المسائل، فبلحسن الطرابلسي يعتبر من أهم المطلعين على الشخصيات التي استولت على الأموال. و عليه بقي خارج الدولة التونسية، و حتى بالنسبة لملف طلب جلبه الموجه نحو باريس كان منقوصا و غير دقيق، إذ أحاطت به العديد من الأخطاء الكارثية التي تبدو أحيانا متعمدة! إذ كان في الإمكان تقديم ملف جيد و متماسك من أجل جلب بلحسن، لتصبح فيما بعد الدولة هي المخطئة في حق من سعت لجلبه، حيث تعلل هذا الأخير بسعيه لطلب الصلح و التسوية، إلى أن تونس كانت قد رفضت هذا الأمر تماما.
تعطيل قانون المصادرة المدنية
قمنا بوضع قانون المصادرة المدنية، و هو قانون مقبول دوليا لأنه متطابق مع المعاهدة الدولية لمكافحة الفساد، التي نجد ضمنها المصادرة المدنية و التجنيد و تتبع الأموال الفاسدة سواء قبل أو بعد الثورة… و قد تم إعداد هذا المشروع و توجيهه نحو رئيس الحكومة، إلا أن مصير القانون كان الرفض، و تم التعلل في ذلك بأن الوقت غير مناسب لمثل هذه القوانين!
في الختام تبقى المساعي الدبلوماسية بمثابة الحل الوحيد، مع الدول التي تتماشى معها مثل هذه المساعي، حيث إننا قادرون بهذا الشكل على استرداد الكثير من أموالنا المنهوبة و المخزنة بهذه الدول.