سمة الأرقام أنها لا تكذب، خاصة عندما تكون صحيحة و دقيقة، و عليه فقد سجلت المبادلات التجارية سنة 2020 تراجعا هاما على مستوى الصادرات و الواردات، ب11.7% للصادرات و 18.7% للواردات. و الأمر المزعج بالنسبة لهذه النتائج هو تراجع الواردات، خاصة و أنها تراجعت بنسق أكبر بكثير من تراجع الصادرات. و بالتالي فهذه الأرقام تدل على أن استعادة النسق الإقتصادي ليست بقريبة.
و تورد تونس في العادة مدخلات الإنتاج كالطاقة و التجهيزات و المواد الأولية و المواد نصف المصنعة… و ذلك من أجل إنتاجها أو استهلاكها محليا، أو توجيهها نحو إعادة التصدير. و بالتالي يعتبر تراجع المعدات بحوالي 24.6% مقارنة بالسنة التي سبقتها مؤشرا سلبيا، لأن تراجع المعدات يؤدي إلى تراجع الاستثمارات.
و لمزيد التأكد بأن هذه الأرقام سيئة، نشير إلى تراجع العجز التجاري ب6.7 مليار دينار فهو أيضا مؤشر سيء، و هذا التراجع ناتج أساسا عن تراجع عجز الميزان الطاقي، و الوضعية السيئة التي تعاني منها البلاد.
أما عن صادرات القطاعات المنتجة كالمنسوجات و الجلود و الأحذية و الصناعات الكهربائية و الميكانيكية فقد تراجعت. و الإستثناء الوحيد نجده مع زيت الزيتون ب 375 ألف طن بعائدات 2.3 مليار دينار.
و بالنسبة لشهر جانفي 2021 فقد شهدت فيه الصادرات تراجعا بحوالي 9.7% و هذا أيضا مؤشر سلبي. كما تراجعت الواردات بحوالي 10.1%.
و بالرغم من فتح الحدود مع الشقيقة ليبيا إلا أننا سجلنا تراجعا ب13% في شهر جانفي المنقضي.
و بالتالي فالأرقام سادتي الكرام لا تكذب! و لكم أن تواصلوا خصوماتكم السياسية، و إعطاء الأولوية للمناصب.. و مواصلة الخطاب الشعبوي، و حذار أن تفكروا في تونس أو شعبها.
أزمة تونس سياسية بامتياز
الأزمة سياسية بامتياز، ذلك أننا نفتقر إلى الإستقرار السياسي منذ عدة سنوات.. و النظام السياسي الحالي نظام هجين، تتصارع داخله كل الرئاسات.. و قد تعرضنا تقريبا إلى كل أنواع الصراع السياسي الذي أثر بشكل مباشر على الإقتصاد و الحياة الإجتماعية، بما في ذلك الثقافة و غيرها… و يتمحور الإشكال الحالي حول النظام السياسي، و منظومة الإقتراع التي أدت إلى إنجاب نظام سياسي هجين بعيد كل البعد عن الإستقرار.. هو نظام للخصومات السياسية المتواصلة، و المصالح الضيقة و الخصومات على الكراسي…
التمويل التشاركي وسيلة تمويل غير تقليدية
بدأت فكرة التمويل التشاركي في ماي 2016، و ذلك اثر ندوة كان موضوعها الحصول على تمويلات للمؤسسات الصغرى و المتوسطة، و كان المجتمع المدني الحاضر في هذه الندوة رفقة مختلف الهياكل المعنية بالتمويل قد أشاروا إلى crount founding.
و قد تمت إحالة الموضوع إلى وكالة النهوض بالصناعة و التجديد في تلك الفترة، و كنت قد ساهمت بصفة شخصية في إعداد هذا النص، و قد تم وضع لجنة فنية متكونة من مختلف الخبراء، و قد عملت اللجنة لمدة سنة كاملة، هذا و قد أطعمت بخبراء من فرنسا و لبنان و دول أخرى… و كان البرنامج ممولا من قبل المساعدة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي، ثم تمت إحالة القانون إلى البرلمان ليبقى تحت قبته سنتين.
تندرج الفكرة الأساسية للتمويل التشاركي تحت التضامن و التكافل.. و الفرق بالنسبة للتمويل التشاركي كامن في استخدام شبكة الأنترنت و الأنظمة المعلوماتية الحديثة. و هذا هو الفرق بين فكرة التكافل و التضامن، و فكرة التمويل التشاركي.
كما يطرح التمويل التشاركي مشكلة صعوبة الحصول على التمويل من المؤسسات التقليدية، كالقطاع البنكي و غيره.. و يطرح كذلك مشكلة ما بعد أزمة 2008. و تعتبر إيطاليا أول دولة أوروبية تقوم بوضع نص تشريعي متعلق بالتمويل التشاركي سنة 2013.
ملخص الفكرة هو أن صاحب المشروع، يقوم بتقديم فكرته للعموم عبر منصة الأنترنت بمساهمة العموم في المشروع. ثم يتم في ما بعد استغلال هذه الأموال لتنفيذ المشروع، ليتم في المرحلة الرابعة تنفيذ المشروع و جني ثمن الاستثمارات الممولة عن طريق البنوك، ما عدا الهبات. و يعتبر التمويل التشاركي وسيلة تمويل بديلة و غير تقليدية.
التمويل التشاركي جد بسيط على خلاف تعقيدات البنوك
يعتبر حجم التمويل التشاركي ضعيفا، و تشهد أرقام سنة 2018 على هذا، إذ نجد في أوروبا 18,1 مليون دولار فقط تمت في إطار التمويل التشاركي، و في أمريكا 62 مليون دولار، و في آسيا 215 مليون دولار فقط على هذا النوع من التمويل، أما في إفريقيا فنجده بنسبة ضعيفة جدا. و لكن يبقى هناك فرق كبير بين التمويل التقليدي و التمويل التشاركي، خاصة من ناحية بساطة الإجراءات، ففي التمويل التشاركي لا توجد وثائق أو
إمضاءات… أما عن الأوامر التطبيقية فسيتم اختزالها في ثلاثة أوامر بدل سبعة. و تأكيدا على استفادة الثقافة من التمويل التشاركي نجد أنه في سنة 2015 قامت الفنانة «فايا يونان» بإنتاج أغنية عبر منصة الأنترنت باستعمال التمويل التشاركي، من خلال الحصول على 25 ألف دولار من قبل 199 مساهم في مدة قصيرة جدا. كما اعتمد اوباما على التمويل التشاركي في حملته سنة 2008 و 2012، و قد حصل على 750 مليون دولار أمريكي.
كما نجد صاحب سلسلة مطاعم في بريطانيا، قام بإنشاء سلسلة مطاعم عن طريق التمويل التشاركي.
دراسة الجدوى هي مدى تجاوب عموم المساهمين
نعني بدراسة الجدوى لمثل هذه المشاريع تجاوب عموم المساهمين، فإذا كان هناك نجاوب كبير من عموم المساهمين في مواضيع معينة فإن هذا التجاوب يحل محل دراسة الجدوى. أما الدعاية فيقوم بها عموم المساهمين، و يبقى لدينا إشكال التقليل في البيروقراطية و النسبة الربحية للشركات و مواضيع التراخيص المتشددة…
يجب على المستثمر أن يجد نفسه أمام منصة تمويل بديلة بأتم معنى الكلمة. أما بالنسبة لسلط الرقابة فهي ثلاثة، فلماذا لم يتم تكليف جهة واحدة فقط بدور الرقابة، كالبنك المركزي!