“نحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد، نحج إليها مع المفردين عند الصباح وبعد المساء ويوم الأحد، ولو قتلونا كما قتلونا، ولو شردونا كما شرّدونا ولو أبعدونا لبرك الغماد لعدنا غزاة لهذا البلد”، بهذه الأبيات من قصيدة “نحب البلاد” للشاعر الراحل الصغير أولاد حمد، أسدل الستار مساء الجمعة 14 فيفري 2025 على مسرحية “العودة” ضمن فعاليات الدورة الخامسة لملتقى مسرح الهواية.
“العودة ” تأطير نبيه دلاعي من انتاج ورشات قطب المسرح و الفنون الركحية بمسرح أوبرا تونس، أداء كل من مهاب كيلاني وعبد الرحمان السلطاني وآية عرفاوي وأمنة جلاصي ولجين جلاصي وبية بوستة وعائشة عليسة فارح وتسنيم معط الله وإسراء بن شعبان ويسر شهيبي وتيسير شهيبي .
هم أحد عشر شابا وشابة من طبقات اجتماعية وبيئات مختلفة يجمعهم هدف واحد وهو “الحرقة” والمرور الى الضفّة الأخرى حيث الحلم المنشود والملاذ الآمن، يخرج الممثلون من وسط الجمهور ليروي كل واحد منهم أسبابه التي دفعته للتفكير في الهجرة ومغادرة البلاد، فمنهم من يحلم بتغيير حياته إلى الأفضل ومنهم من يحب موسيقى الراب ويطمح إلى انتاج ألبوم، وفتاة تحلم بأن تصبح فنانة شعبية عالمية وأخرى ترعرعت في عائلة لها سوابق عدلية وانتهجت نفس الطريق وتتمنى أن ينصلح حالها وثالثة ملّت من الوعود الزائفة والبطالة وتبحث عن منفذ ينتشلها من براثن الفقر وأخرى نشأت بملجإ وتحلم بحياة أفضل وشاب يصرخ “بلاد تقتلك .. تعذبك تحطملك أحلامك اليوم يا ياكلني البحر يا نوصل. أسباب متباينة والنتيجة واحدة .. “الحرقة”.
ينجح هؤلاء الشباب في اجتياز الحدود خلسة ويعبرون إلى الجنة الموعودة لكن هل وجدوا الجنة فعلا؟؟ شاشة خلفية عبارة عن صورة لبيت مهجور، عجلات مطاطية على الركح، يفترش هؤلاء الشباب الأرض ليتحدث كل واحد منهم عن الواقع في الأرض الموعودة، عن حجم معاناتهم والمخاطر اليومية التي يتعرضون إليها، وفي لحظات يأسهم يتحدثون عن اشتياقهم لأرض الوطن وعن النعم التي كانوا يتمتعون بها وتخلوا عنها من أجل مستقبل غامض وحلم زائف، وبطريقة كاريكاتورية لا تخلو من كوميديا سوداء يصور لنا هؤلاء الشباب واقعا مريرا لمعاناة المهاجرين غير الشرعيين ولكل الذين خيروا “الحرقة” على العمل والسعي في بلادهم.
“العودة” مسرحية تطرح موضوع “الهجرة غير النظامية” لكن برؤية جديدة وغير مستهلكة ففي هذا العمل المسرحي شاهدنا الحياة ما بعد “الحرقة” وماذا ينتظر كل شخص جازف بحياته من أجل الأوهام.
موسيقى ورقص ومؤثرات ضوئية، سينوغرافيا غاصت في العوالم الخاصة لشباب بات مروره الى الضفة الأخرى من أكبر هواجسه لتتجلى على الركح قضايا الشباب الآن وهنا في طرح اجتماعي وجمالي على حد سواء، حيث تمكنت هذه المسرحية من وضع الإصبع على الداء وطرح عديد التساؤلات أبرزها ماذا يوجد في الضفة الأخرى وهل تستحق المجازفة ؟
رحلة محفوفة بالمخاطر واصطدام بواقع مرير وظروف قاسية دفعت بهؤلاء الشباب للتفكير في العودة .. العودة الى وطن مهما قسى علينا سيظل أرحم من بلد لا هوية لنا فيه ولا مستقبل .
“نحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد” بأبيات الصغير أولاد أحمد كان المشهد الأخير من مسرحية “العودة” التي عالجت ظاهرة ” الحرقة ” بطرح جديد ومختلف لامست فيه مشاغل الشباب وتصوراتهم ونظرتهم للمستقبل وكيفية اصلاحه .. هي فسحة بين النور و العتمة، بين الموت والحياة .. نظرة ورؤية جديدة لواقع ومستقبل أفضل، لشباب حالم وفاعل .