مبكرا بدأت حكومة هيئة تحرير الشام بقيادة الرئيس أحمد الشرع التضييق على وسائل الإعلام المحلية، بذريعة إسكات الأصوات الموالية لنظام بشار الأسد الذي أسقطته الفصائل المسلحة في ديسمبر الماضي.
وحذرت وزارة الإعلام السورية، التابعة لحكومة محمد البشير، وسائل الإعلام في البلاد من إجراء مقابلات أو نشر تصريحات لشخصيات مرتبطة بالنظام السابق.
ولم تعي بعد الحكومة الأصولية التي شكلتها الفصائل المسلحة، مطالبات المجتمع الدولي ودول الإقليم، أن تتسع سوريا الجديدة للجميع وألا يتم إقصاء أي طرف بذرائع طائفية أو سياسية أو عرقية.
وعود على بدء، فما اتهمت به فصائل المعارضة المسلحة التي اعتلت الحكم نظام الأسد، عادت هي لتمارسه ضد وسائل الإعلام التي تعارض سياساتها أو تنتقدها، في ظل دستور معطل بقرار سياسي وعدم صدور الإعلان الدستوري الذي أعلن عنه أحمد الشرع لتحديد الصلاحيات والحريات وحدود السلطات، وعلى راسها بطبيعة الإعلام سلطة الإعلام التي ينبغي أن تتمتع بالحرية في سوريا الجديدة.
افتقاد الأمن
يبحث السوريون بعد سقوط بشار الأسد عن الأمن الغائب ولكن لم تحققه بعد حكومة الشرع ولا يزال النهج الانتقامي الثأري يسيطر على عقول حكام سوريا الجديد، بما يتماشي مع أيدلوجيتهم القائمة على التشدد ورفض الآخر.
ودعت وزارة إعلام حكومة البشير، الجمعة، عبر قناتها على “تلغرام” جميع وسائل الإعلام في سوريا إلى “ضرورة الامتناع عن إجراء مقابلات أو نشر تصريحات منسوبة لشخصيات ورموز مرتبطة بالنظام السابق”.
وبالتالي فإن من يسعى لإسكات صوت المعارضين لن يكون بمقدوره قيادة منظومة تتيح الحريات وتستوعب التباين والتنوع في المجتمع السوري، وربما الأخطر هو انتهاج العنف وسيلة للتعامل مع المعارضين، لتخرج سوريا من ديكتاتورية مقيتة حكمتها لأكثر من 50 عاما إلى فاشية دينية تكمم الأفواه وتقتل المعارضين ولا تحتكم إلى القانون.
وبعد نحو شهرين فقط من سقوط آل الأسد، بلغ عدد السلوكيات الانتقامية والتصفية التي ترتكبها عناصر تابعة للإدارة السورية الجديدة 12 عملية منذ مطلع عام 2025 في محافظات سورية متفرقة، راح ضحيتها 246 شخصًا، هم: 239 رجلًا، و6 سيدات، و1 طفل، حسب المرصد السوري.
غياب الأمن وانتشار “الثأرية” وتهديد الإعلام المعارض يخلق حالة من الخوف ويقضي على طموح السوريين في الحرية، كما يشكك في نوايا هيئة تحرير الشام التي دأبت على تصدير وعود براقة بأن سوريا تستوعب الجميع ولا إقصاء لأي طرف، ولكن المحاسبة لا تزال تقتصر حتى الآن فقط على بقايا النظام السابق أو حتى من عملوا معه بحكم الأمر الواقع.
إعلام الرأي الواحد
هددت وزارة الإعلام السورية أن أي مخالفة لأوامرها ستخضع القناة والجهة للمساءلة القانونية الفورية، في حين أشادت بالتزام وسائل الإعلام بعدم “الترويج للمجرمين والمتورطين بدم الشعب السوري ومعاناته”.
وهنا إشارة مقلقة إلى اتجاهات الحكومة الجديدة نحو إعلام الراي الواحد ورفض التعددية، وهو ما يظهر في فتح المجال واسعا لقيادات هيئة تحرير الشام للظهور في وسائل الإعلام المحلية والأجنبية بشكل كبير لعرض آرائهم ونظرتهم لمستقبل سوريا، في حين لا نرى في الإعلام وجهات النظر الاخرى لمعارضين حتى من غير الموالين للنظام السابق.
وتتخذ الحكومة الحالية خطوات متسارعة للسيطرة على كل مفاصل الدولة ومنحها فقط للموالين، إلا فيما ندر من بعض المستقلين، وقد بدا هذا جليا في تشكيلة الحكومة، فحكومة إدلب التي قادتها تركيا أصبحت حكومة سوريا الكبيرة المحررة وهذا ضد منطق تأسيس وببناء الدولة.
وكما الحال في الجهاز الإداري للدولة وإعلان الحكومة على لسان خمسة من وزرائها في تصريحات لـ”رويترز” نيتها تسريح نحو 400 ألف موظف أسمتهم “أشباح” يتقاضون رواتب ولا يعملون في عملية يغلب عليها “التطهير السياسي”، توجه أصابعها لوسائل الإعلام لإسكاتها أو شراء ولائها تحت التهديد.