بقلم: عبد الصمد الكرتلي/مختص في البرمجيات
يبدو أنّ الإعلام لم يعد مرتبطاً بوسائل تقليدية، والتغيّر الحقيقي يحدث نوعياً في فكرة الإعلام وتداول المعلومة ذاتها، فلم يعد الإعلام حكراً على الإعلاميّين، الذين باتوا يستقون معلوماتهم من “مواقع التواصل الاجتماعيّ” في ظلّ انتشار فكرة “المواطن الإعلاميّ” وتحوّل كلّ مشارك عبر الانترنت و”مواقع التواصل الاجتماعيّ” إلى مراسل ومصدر للخبر والمعلومة. لتتحوّل المواقع الإخبارية في معظمها إلى مجرّد ناقل وصدى لما ينشر عبر الوسائل الجديدة، واختفى دور صانع الخبر التقليدي وانتقلت دفّة القيادة إلى الجمهور الذي بات أكثر قدرة على تلبية رغبات بعضه البعض للتعرّف إلى المعلومة الجديدة، وبات من الصعب على وسائل الإعلام التقليديّة منافسة هذا النمط الجديد في تداول المعلومات والأخبار، واستسلمت للأمر الواقع وتحوّلت إلى نمط إعلامي جديد لم يتبلور بعد ويتمثّل في تجميع ما ينشر عبر “مواقع التواصل الاجتماعيّ” من “تغريدات” و”تدوينات” وصور عبر “انستجرام” وغير ذلك من الوسائل.
هذا النمط الإعلامي سيختفي أيضاً لأنّ الإعلام الجديد يطوّر نفسه عبر آليات ذاتية مبتكرة بوتيرة متسارعة للغاية تجعل من الصعب القول بأنّ مأسسة الإعلام يمكن أن تصبح رهاناً مستقبلياً، فالإعلام بات للأفراد بجدارة، ومن الصعب القول بأنّ هناك توجّه نحو الاعتماد على مؤسّسات إعلاميّة ضخمة كالتي كانت في السابق، ما لم تطرأ عليها تحوّلات تراعي وتأخذ بالاعتبار أنماط الإعلام الجديد وتحوّلاته، خاصّة مع ظهور خبراء في البرمجة يقومون بتطوير طريقة نشر الأخبار عبر الفضاء الافتراضيّ بصفة دوريّة ممّا يوحي بأنّ الطريقة المستقبليّة لنشر الأخبار ستكون مختلفة تماما عن تلك التي نراها اليوم وذلك عبر ابتكار طرق ومجالات جديدة لاستغلال الذكاء الاصطناعي.
وقد يواصل الإعلام التقليدي (الفضائيات والإذاعات تحديداً)، العمل والانتشار والتأثير لسنوات قادمة غير معلومة، ولكن المؤكّد أنّ الصحافة الورقيّة انتهى دورها أو في أحسن التقديرات فهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، ومن ثمّ يجب التفكير من الآن في تطوير الصحافة الإلكترونية حتى لا نتخلّف عن ركب الدول المتقدّمة في هذا المجال الواعد الذي يمثّل رهاناً مستقبلياً.
ولعلّ ما يجب التركيز عليه في هذا الإطار هو عدم “نسخ” هياكل التطوير التقني من الغرب، لأنّ التجربة والمعطيات ومتطلّبات الجمهور ونوعيّته مختلفة تماماً، وعلينا أن نجري الدراسات المنهجيّة اللازمة لاحتياجات الجمهور الإعلاميّة وأن ندرس تفاصيل التنافسيّة الإعلامية جيّداً حتّى تعبّر كلّ تجربة تطوير إعلاميّة جديدة عن الاحتياجات الحقيقيّة لكلّ مجتمع.