سجّلت مصالح وزارة الصّحّة في تونس، منذ بداية 2023، إلى حدود يوم الخميس، 2 نوفمبر 2023، عشر حالات لفيروس حُمّى غرب النيل، في عدد من ولايات الجمهوريّة. أدّت إحداها إلى وفاة المصاب البالغ من العمر 86 سنة، في ولاية توزر، مع تسجيل 5 إصابات جملية، في الولاية نفسها. ليُصنّف الفيروس كحالة وبائية، محدودة في المكان والزمان، في توزر، باعتبار تكييف وزارة الصّحّة لظهور أيّ فيروس للمرة الأولى، في منطقة معيّنة، وباءً. فكيف وصل الفيروس إلى تونس؟ وأين تم تسجيل حالات مؤكّدة منه؟ ولماذا ظَهر في هذه الولايات بالذّات؟ وهل بلغ مرحلة الوباء في بقيّة المناطق؟ وماهي سُبل الوقاية منه؟
ماهو فيروس حُمّى غرب النّيل وكيف وصل إلى تونس؟
حُمّى غرب النّيل VWN، هو فيروس ينتقل في الطبيعة بين الطّيور التي تعتبر مصدره الأساسيّ، والبعوض، ومنها، للبشر والخيول، وغيرها من الثّدييّات. وتحدث العدوى البشريّة، في أغلب الأحيان، جرّاء لدغات البعوض الّذي سبق أن تغذّى، من الطّيور الحاملة للفيروس في دمها .
ولا يمكن الحديث عن هذا الفيروس في تونس، إلاّ بتوفّر عنصرين أساسيّين مرتبطين، أوّلهما توافد طيور مهاجرة، حاملة للفيروس، على مناطق معيّنة في البلاد، بين فصلي الخريف والشتاء(أشهر سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر)، وتعتبر هذه الطيور “خزّاناً” للفيروس. ثمّ، في مرحلة ثانية، تغذّي نوعاً محدّداً من البعوض، يسمّى “كيلاكس” Culex، من دمائها. ويعتبر “كيلاكس” العنصر الناقل للفيروس للبشر، عبر لدغه لشخص أو لمجموعة من الأشخاص.
وقد تحصل العدوى، أيضاً، نتيجة مخالطة حيوانات أخرى حاملة له، أو من جرّاء مخالطة دمها وأنسجتها، فيما تمّ تسجيل عدد ضئيل جدّاً، في العالم، لانتقال الفيروس، بين البشر، نتيجة زرع الأعضاء أو نقل الدّم أو الرّضاعة الطّبيعيّة، أو بين الأمّ ورضيعها. كما بُلّغت منظّمة الصّحّة العالميّة بحالات لانتقال الفيروس إلى عمّال المخابر .
ولا تصاحب العدوى بفيروس حمّى غرب النّيل أيّة أعراض مرضيّة لدى 80% من المصابين به، تقريباً، فيما يتسبّب لحوالي 20% من حاملي العدوى، بالحمّى والتّعب والتقيّؤ والغثيان والأوجاع الجسديّة، وتورّم الغدد اللّمفيّة، والطّفح الجلديّ في بعض الأحيان.
وتشير التّقارير العلميّة إلى تسبّب الفيروس، لشخص واحد من أصل 150 مصاباً (أقل من 1% من المصابين)، في أعراض وخيمة، مثل التهاب الدّماغ، أو الغيبوبة أو الشّلل. ويعتبر الأشخاص الذين تجاوزت أعمارهم الخمسين سنة، ومنقوصي المناعة (المرضى الخاضعين لعمليات زرع الأعضاء على سبيل المثال)، هم الأكثر قابليّة للتعرّض لأعراض وخيمة جرّاء إصابتهم بفيروس حمّى غرب النّيل، ممّا قد يتسبّب في هلاكهم.
وتتراوح فترة حضانة الفيروس، في جسم الإنسان، بين ثلاثة أيام و14 يوماً. ولا يوجد لقاح بشريّ، إلى حدود الآن، لوقاية الإنسان من مضاعفاته. فيما يتم علاج فيروس حمّى غرب النيل، عبر المكوث في المؤسّسات الصّحيّة، وتقديم السّوائل داخل الوريد، وتوفير خدمات دعم التنفّس، وتوفير سُبل الوقاية من المضاعفات.
من جهة أخرى، توفّرت التلاقيح اللّازمة لحماية الخيول من فيروس غرب النّيل .
أين تم تسجيل فيروس غرب النيل في تونس؟ ولماذا؟
في تونس، سَجّلت وزارة الصّحّة، سابقاً، 4 أوبئة تتعلّق بفيروس حمّى غرب النّيل، سنوات 1997 و2003 و2012 و2018.
ومنذ بداية سنة 2023، إلى حدود يوم 2 نوفمبر 2023، سجّلت هياكل الوزارة 146 حالة يشتبه في حملها للفيروس، أثبتت التحاليل إصابة 10 حالات منها، بحمّى غرب النيل. وتتوزع الإصابات المؤكّدة، في صفوف البشر، على النّحو التّالي، في تونس:
-5 إصابات بولاية توزر.
-إصابتان بولاية قابس.
-إصابة واحدة بولاية صفاقس.
-إصابة واحدة بولاية المنستير.
-إصابة واحدة بولاية الكاف.
كما اكتشفتْ مصالح وزارة الصحة إصابة مؤكّدة، بفيروس غرب النّيل، لدى الخيول، في إقليم تونس الكبرى .
وتفسّر الجهات الصحيّة، حدوث هذه الإصابات نتيجة هجرة عدد من الطّيور الحاملة للفيروس، من شمال الكرة الأرضيّة، نحو جنوبها، ونَقل الفيروس عبر بعوضة “كيلاكس” Culex، للمصابين في الولايات المذكورة أعلاه.
فيما تكاثرت البعوضة النّاقلة للفيروس، في هذه المناطق، نتيجة وجود مياه راكدة شجّعت تواجدها، وتفريخها، وتمّ علاجها فيما بعد، من قبل هياكل وزارة الصحة.
هل بلغ الفيروس مرحلة الوباء في 2023؟
يمكن الحديث عن بلوغ الحالة الوبائية من جرّاء فيروس ما، إذا ما سُجّلت حالة واحدة منه، أو مجموعة إصابات، للمرّة الأولى، في منطقة معيّنة. أو إذا انتشر الفيروس، في شكل حالات جماعية، تساوي أو تفوق الثلاث حالات، في فترة زمنيّة وجيزة، وفي مكان معيّن، وهو ما لا ينطبق في الحالات الحاملة لفيروس حمّى غرب النيل في الولايات المذكورة، باستثناء ولاية توزر الّتي ظهر فيها الفيروس للمرة الأولى سنة 2023، وهو ما جعله يصنّف وباءً. أمّا بقيّة الحالات، في مختلف الولايات، والمقدّرة بخمس حالات، فتعتبر إصابات متفرقة ومحدودة، في المكان والزّمان، داخل جهات شهدت اكتشاف حالات من الفيروس، في السّنوات السابقة، ولا تعتبر الحالة وبائية داخلها.
ولهذه الأسباب، صَنّفت وزارة الصحة، فيروس حمّى غرب النيل، بفيروس بمخاطر ضعيفة، في تونس، عكس سنة 1997، عندما برَز، للمرة الأولى، في البلاد، في جهات كثيرة، وبصفة جماعيّة، وتنقّل بين ولايات عديدة .
كيف نحمي أنفسنا من فيروس حمّة غرب النّيل؟
أمام عدم وجود لقاح للفيروس، وبغياب فرضيّة التّدخّل للسّيطرة على حركة حلقات الطّبيعة الّتي تجبر الطّيور(خزّان المرض) على رحلة هجرة وأخرى عكسيّة، بين شمال الكرة الأرضيّة وجنوبها، تبقى حتميّة الوقاية من المرض، حلاً وحيداً لمكافحته، عبر القضاء على ناقله، أي بعوضة “كيلاكس” Culex، انطلاقاً من قطع سُبل وأماكن تكاثرها، بردم الآبار المهجورة أو إحكام إغلاقها، وغلق خنادق تجميع المياه المستعملة، وردم المستنقعات، واستعمال أسماك “قمبوريا” في الأودية، لأنّها تتغذّى على بيض البعوض النّاقل للفيروس، وبجهر الأودية والمجاري، وردم المياه الرّاكدة، إضافة إلى تكثيف الحملات التّوعيّة الخاصّة بفيروس حمّى غرب النّيل .
المصدر:موزاييك