السيد “جمال بن يعقوب” مدير عام مرصد الاندماج المالي: مرصد الاندماج المالي مساند رسمي لتطور المعاملات المالية و رقمنتها كليا
مسألة الإندماج المالي و كل ما يتعلق بها ليست قاتمة بدرجة كبيرة.. لهذا يجب أن نقارن مستوى الخدمات المالية التي كانت موجودة بتونس منذ 15 سنة بالخدمات المالية المتوفرة اليوم، و هنا لا بد أن نلاحظ أن هناك فرقا واضحا و تطورا ملموسا على مستوى هذه الخدمات… أما فيما يتعلق بالأرقام فهي ترجع لاستبيان وطني للنفاذ للخدمات المالية لسنة 2018 و هو استبيان قامت به السلط التونسية بمساعدة الإتحاد الأوروبي و العديد من الأطراف الأخرى… و ذلك للوقوف على حقيقة الوضع و تشخيص هذه المسألة بشكل موضوعي دقيق و علمي، و كان هذا الاستبيان استجابة لطلب الحرفاء.
يقوم البنك المركزي بنشر تقارير الرقابة المصرفية على عدد الحسابات و عدد الحرفاء و الفروع البنكية…
مرصد الإندماج المالي قطاع عام و سلطة عمومية و هيكل مطالب برصد و تحليل الإندماج المالي و نشر البيانات و المعلومات منذ سنة 2016 حيث تم إرساء هذا التحقيق الوطني و المشاركة في وضع الإستراتيجية الوطنية للإندماج المالي 2018 – 2022 و يوجد عمل في الوقت الحاضر بصدد تقييم نتائج هذه الإستراتيجية بمساعدة فنية من وكالة التعاون الفرنسي و وزارة المالية.
شهد مرصد الإندماج المالي فترة تحول من مرصد الخدمات البنكية إلى مرصد الإندماج المالي الذي يتطلب بناء قدرات حديثة، إذ كان المرصد يهتم فقط بالخدمات المالية، أما اليوم فقد توسعت دائرة اهتماماته لتشمل خدمات التأمين و التمويل الصغير، و هذا التوسع في حاجة لبناء القدرات.. و تم بالفعل تجهيز موقع واب خاص بالمرصد سيتم إطلاقه في بداية شهر رمضان بثوب و رؤية جديدة.
تدل نتائج الاستبيان المتعلقة بالإندماج المالي على عدم حصر المشكل في مسألة النفاذ إلى الخدمات المالية، فمؤشرات النفاذ تعتبر جيدة، إذ لدينا أكثر من 100 نقطة نفاذ لكل 100 ألف ساكن، و حين تم خلق مرصد الخدمات البنكية كنا أقل من 500 فرع بنكي، و بذلك حدثت حملة تم إثرها تحرير إرساء الفروع بكراس شروط.
الموزعات الآلية كانت قليلة جدا، أما اليوم فقد أصبحت متواجدة بكل فرع، بمعدل أكثر من 40 موزع لكل 100 ألف ساكن، و بالتالي هناك تطور ملحوظ لا يمكن إنكاره، و هذا التطور تطلب استثمارات كبيرة جدا، استثمارات مادية من قبل البنوك للقيام بهذه المهمة، كما تطور قطاع التأمين رفقة كل فروعه، و نجد أكثر من 100 مسدي خدمات بتونس بين بنوك و قطاع تأمين و قروض صغرى.
هذا و نملك بنية تشريعية مقبولة و جيدة تساعد على الإندماج المالي، كما أن لدينا استثمارا في التكنولوجيات، هذا عدا أن هناك إرادة قوية من قبل المستهلك التونسي للمرور إلى استعمال تكنولوجيات الاتصال الحديثة للقيام بالخدمات المالية. من جهة أخرى لا تزال هناك ثقة عمياء في المعاملات المالية النقدية، و يتم على مستوى مرصد الإندماج المالي بالتعاون مع مركز الدراسات الإجتماعية و الإقتصادية التخطيط لإرساء دراسة لمعرفة أسباب عزوف التونسي عن المعاملات البنكية و اختياره للتعامل نقدا؟ و تعتبر هذه الدراسة سوسيولوجية اقتصادية نفسية.
نحو تحسين و تبسيط الخدمات المالية الرقمية
انطلاقا من التشخيص الذي تم إرساؤه سنة 2018 تم الاتفاق على أن مشكل الإندماج المالي لا يتعلق بالنفاذ إلى التمويل، و يملك الإندماج المالي ثلاث مستويات:
1- النفاذ
2- الاستعمال
3- جودة الاستعمال
و يعتبر النفاذ في تونس بمثابة البنية المؤسساتية و التشريعية الممتازة جدا، و حتى هيكلة القطاع المالي جيدة أيضا.. و لكن فيما يتعلق بخاصية الاستعمال، فإن التونسي يستخدم حسابه البنكي فقط من أجل سحب و تنزيل الأموال و استعمالها دون غير، و هو ما تسبب في وجود سيولة مالية نقدية كبيرة في تونس، لذلك يسعى المرصد المالي لتحسين الخدمات المالية الرقمية خاصة في إدارة وسائل الدفع، و لولا القانون البنكي الذي فتح سوق الدفع لما كانت مؤسسات الدفع قد وجدت أصلا! و كانت وسائل الدفع محتكرة من قبل البنوك بالقانون، و لكن اليوم تم خلق مؤسسات حديثة قادرة على تعاطي هذا النشاط.
يسعى المرصد للتركيز على مسار التثقيف و التربية المالية، و مسار حماية مستهلكي أو مستعملي الخدمات البنكية، كما إن لدينا مسارا ثالثا يتعلق بإنشاء قاعدة بيانات وطنية للإندماج المالي بمختلف تفريعاته و استعمالاته، و تمثل هذه المسارات الثلاث البرنامج الفعلي و الرئيسي للمرصد، و يعتبر مسار البرنامج الوطني للتثقيف المالي أو التربية المالية مسارا ممولا بمساعدة فنية من قبل وزارة الشؤون الداخلية للوكسمبورغ، و جمعية ADA… و يستهدف هذا البرنامج مستعملي الخدمات المالية و المستهلكين من كل الشرائح من الضعيفة و الهشة إلى المؤسسات الصغرى و المتوسطة وصولا إلى الشركات الكبرى و غيرها… و بالتالي يأتي برنامج المرصد على عدة مستويات و يهتم المرصد بالقطاع المالي ككل، و يدخل المرصد في شراكة واسعة مع كل المؤسسات سواء المندرجة في القطاع الخاص أو العام و الوزارات المعنية.. كوزارة التربية و وزارة الفلاحة و وزارة المرأة، كل هذه الجهات ستكون شريكا أساسيا في هذا البرنامج، و هذا البرنامج لن يكون قصير المدى و إنما سيكون ممتدا و متواصلا، و قد تكون هناك فرصة لخلق مركز تأهيل مالي، إذ نجد في المغرب مثلا مؤسسة عمومية تعنى بالخدمات المالية، و تصل ميزانيتها ل2 مليون دينار في السنة.
تحقيق الإندماج المالي مشروط بوجود قطاع مالي قوي و متين
يسعى المرصد لتقديم المعلومة و التكوين و الدراسة المالية.. كما سيتم تأطير المستهلك، و هو سبب التقديم على منظومة التوفيق البنكي، التي سيكون دورها النظر في الخلافات.
كما سيتم التركيز فيما يتعلق بالبنوك على سمة خدمات ما بعد البيع، و كوننا نسجل العديد من التشكيات على مستوى البنوك، فهذا دليل قاطع و فعلي على أن البنوك تعمل، و أثبتت تجربة ماليزيا و هي أفضل تجربة في الإندماج المالي بأن هذا القطاع المالي صلب و متين، لذلك لا يمكن تحقيق الإندماج المالي عن طريق قطاع مالي هش و ضعيف، لذلك تعتبر الأرباح التي تحققها البنوك ضامنا قويا و أساسيا لتطوير الإندماج المالي، و سيتم العمل بالشراكة مع منظمة الدفاع عن المستهلك، و هي عضو في مجلس مرصد الإندماج المالي، كما يتم العمل رفقة كل الجمعيات المهنية المندرجة في المرصد الإندماجي، كما يمكن إبرام اتفاقية شراكة و تعاون مع مرصد الخدمات المالية من أجل حماية المستهلك، كما أننا بصدد إعادة النظر في كامل المنظومة التشريعية و العملية، أي كيف يحصل المستهلك على كل حقوقه…
بلال بو علي