الجلسة العامة الأخيرة للترجي الرياضي التونسي
أصبح من المعتاد اليوم أن يتعرض كل ناجح و متميز و متفرد للنقد و «الضرب» قصد التشهير و التدمير، و في تونس على وجه الخصوص يبدو أن أفضل طريقة للإبتعاد عن الأذى و تجنب سخط و غيرة و حسد الحساد هي الإمتناع الكلي عن العمل! باختصار شديد هكذا يفكر التونسي اليوم، فبدل الانكباب على العمل و التركيز على تطوير الذات و الإرتقاء بها في كنف المنافسة و الإزدهار الشريف، أصبح هناك نوع من التزاحم قصد القضاء على الآخر عوض اتخاذه مطية للنجاح و التقدم!
مثلت آخر الجلسات العامة للترجي الرياضي التونسي مفاجأة سارة للجميع، إذ أبهرت و سحرت الكل بأجوائها التنظيمية الدقيقة و الراقية و المحكمة، في شيء من التناغم و التكامل بين الجميع، إذ سعى الكل لإبراز جمالية الوحدة الحميمية التي يتمتع بها النادي على مستوى كل مكوناته.. إلى جانب وجود عمل لوجستي ضخم، و احترام و ترحاب كبير بكل الحاضرين… باختصار مثلت هذه التظاهرة صورة لا تقل شأنا عن التظاهرات التي تقوم بها أكبر و ألمع الأندية العالمية.. و كل من كان حاضرا في هذه المناسبة أو حتى اكتفى بمشاهدتها من بعيد عبر عدسات آلات التصوير سيكون له نفس هذا الرأي.
في المقابل كثرت كالعادة الآراء الجانبية الهابطة و البعيدة كل البعد عن الواقع، إذ تحدثت بعض الأقلام و دونت شعارات غريبة من قبيل «حمدي المدب يتجول و معه حرس شخصي خوفا من الاستفزازات» في حين أن المدب كان يتجول بين الضيوف بكل حرية و أريحية، و بالفعل كان هناك أعوان حراسة، و لكنهم كانوا مكلفين بحراسة كل الحاضرين لا شخصا بعينه كما يدعي البعض، و هو بروتوكول نمطي يتم العمل به في كل المناسبات من هذا النوع تفاديا لكل مشكل طارئ!
تميزت الجلسة بالهدوء إذ لم نلاحظ وجود أي تشنج من أي نوع، و الأهم من كل هذا أن المدرب أصر على جمع قدماء رؤساء و إداريي الترجي الرياضي التونسي، الذين كانوا محل ترحاب كبير بهذه الجلسة، بل و ساهموا أيضا في أخذ القرارات، و هو ما يدل على نضج و رصانة المدب الذي استأنس بآراء هاته الخبرات.
المقاربة الإقتصادية الجديدة للترجي الرياضي التونسي
الحدث الأهم الذي ميز هذه الجلسة عن غيرها من الجلسات الكلاسيكية التي عقدها النادي العاصمي،
هو الإعلان عن المقاربة الإقتصادية الجديدة للنادي، و هي مبادرة أولى على مستوى نوادي كرة القدم في تونس، إذ يعتزم القائمون على الترجي إقحام الفريق في عالم البورصة، و هو ما يدل على نضج كبير على مستوى التسيير، فدخول البورصة ليس بالأمر السهل أو الهين، و لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يكون هذا القرار الهام قد اتخذ بين ليلة و ضحاها، و إنما هو نتاج لعمل متواصل و دؤوب، اختتم بهذه المفاجأة السارة التي ستزيد في قوة و متانة الفريق، و في هذا السياق نستغل الفرصة للترحم على الراحل «عبد الستار مبخوت» الذي ساهم في وضع أسس المنظومة المحاسبية للترجي.
كما لا يفوتنا الحديث أيضا عن أحد ألمع مشجعي نادي الترجي الرياضي التونسي «الهاشمي الجيلاني» و هو نجل رئيس النادي الأسبق «الهادي الجيلاني»، الذي جعل من فلذة كبده أحد أكبر مشجعي النادي، الذي لا يكاد يغيب عن مقابلة واحدة يخوضها الفريق.. و هو ما يثبت لنا بأن الترجي يمثل بيتا و مسكنا و قلبا عطوفا للبعض.
و أعلن المؤدّب عن تأسيس شركة « الترجي هولدينغ « والتي ستنظمّ للبورصة التونسية وستكون قادرة على توفير الدعم المالي لفريق باب سويقة.
وستضمن شركة «الترجي هولدينغ» توفير عائدات مالية ضخمة للفريق، كما ستسمح لرجال الأعمال والأنصار بالإستثمار وشراء أسهم الشركة في البورصة التونسية، وهو ما يعني أن ميزانية الترجي ستتطور بشكل كبير و ملموس، مما سيمكنه من تطوير مداخيله لمواجهة التحديات المستقبليّة التي تنتظره.
وتأتي الخطوة الجديدة لرئيس الترجي في ظلّ عجز القوانين الرياضية بتونس عن النهوض بالواقع الرياضي الذي أصبح مُتردّيا جدا، بسبب حزمة قوانين بالية ومُهترئة لم تفعل شيئا سوى أنها حطمت العديد من الأندية و أحالتها إما على الإفلاس أو الدنو من الهاوية، و تراجع مستوى اللعب الرياضي الفني المحترف.
في هذا السياق نؤكد بأن الترجي الرياضي التونسي سيكون في منعة من أي هزات مالية، إذ لن يتم المس بالجمعية أو أنصارها، بل ستحافظ كل مكونات النادي على جميع حقوقها، لأن المراد من اقتحام عالم البورصة هو خلق مدخول و مورد مالي جديد للجمعية.. و بالتالي توفير الأمان المالي للفريق و ليس المجازفة به.
حمدي المدب و مساهماته المالية في الفريق
يركز حمدي المدب في المقام الأول على الجانب الاقتصادي للنادي، و يلتزم النادي تحت رئاسته بملئ ديونه وتحديث مرافقه وافتتاح شراكات اقتصادية جديدة كالتي تجمعه بشركة البنك التونسي. كما يسعى المدب لتطوير أنشطة النادي التجارية، و ذلك عن طريق توظيف اللاعبين، و تتأتى الأرباح عموما من بيع المشتقات أو إعادة بيع اللاعبين، عن طريق توظيف نجم أفريقي كل عام، مثل مايكل إنيرامو و غيره…
و منذ توليه لرئاسة النادي ضخ حمدي المدب ثروة مالية ضخمة في النادي قدرت تقريبا ب80 مليون دينار.
ذكريات الزمن الجميل
لا بد أن ذاكرة أحباء النادي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن
تنسى و لو لوهلة واحدة ذلك الشرطي في أواخر الستينات و السبعينات و حتى الثمانينات، الذي كان مولعا بالترجي الرياضي التونسي، و كان مكلفا بتسيير حركة المرور بساحة المنصف باي، التي كانت مركزا لسوق الجملة بتونس العاصمة، و الذي عرف بعشقه الأبدي و الأزلي للنادي العاصمي، إذ كان يتواجد إما بملعب المنزه أو الشاذلي زويتن قبل بداية المباراة بساعة كاملة، و عندما كان النادي يخوض مبارياته كان هذا المشجع المخلص يمشي جيئة و ذهابا في ممر اللاعبين و عيونه مصوبة نحو المعشب الأخضر، و قد تمت دعوته مؤخرا للجلسة العامة التي عقدها المدب و ذلك احتفاء به و تكريما له على حبه و إخلاصه و تشجيعه المستمر لنادي باب سويقة، هو «محمد علي ماكرون» عاشق الترجي لآخر نفس.
في الختام نلفت الإنتباه إلى أن هذا النجاح الباهر و التقدم المستمر لم يأت من فراغ، و إنما هو نتاج لخلية متوازنة و متكاملة، كرست حياتها للعمل و الإنتاج، و إشعاع الترجي الرياضي التونسي المستمر خير دليل على وجود كفاءات تونسية حاملة لمعايير و مواصفات عالمية، مكنتها من الإزدهار داخل فضاء محلي ضيق و مناخ اقتصادي صعب و متشعب.
أبو فرح