كلمة اليوم موجهة للدفاع عن صغار التجار، خاصة و أن محاولات فهم و تأويل القانون التونسي تشكو من بعض الخلط، بين ما يسمى بوضعية هيمنة الشركات على قطاع معين، لنجد الكثيرين يتحدثون عن إحدى الشركات التي يقال بأنها مسيطرة على السوق.. و هنا نؤكد بأن القانون التونسي لا يمنع وضعية الهيمنة، و لكنه يمنع استغلال هذه الوضعية، و من بين مظاهر استغلالها هو البيع المشروط، أي بيع البضاعة المشروطة لصغار التجار، عن طريق إلزام الشركة لمن تتعامل معهم من تجار بشراء بضاعتين بدل بضاعة واحدة.. و لا تتم عملية البيع إلا بخضوع التاجر لشراء البضاعة و البضاعة المشروطة… هذا و يجب أن يعي الجميع بأننا مقبلون على الموسم الصيفي، و لا تزال التجارة في طور الانتعاش الضعيف، و كانت أرقام معاملات التجار قد انخفضت في الفترة الماضية بسبب ضعف القدرة الشرائية للمستهلك التونسي.. و نقف اليوم أمام ظاهرة البيع المشروط، حيث تعمد العديد من الشركات التجارية الضخمة إلى فرض البيع المشروط على التجار الصغار ضمن مسالك التوزيع، حيث لا تتعامل هذه الشركات مع هذه الفئة من التجار سوى عن طريق آلية البيع المشروط.
هذه الشركات نفسها لا تتعامل بهذه الطريقة مع المساحات الكبرى، فالمعادلة في هذا السياق تتغير، ذلك أن المساحات التجارية الكبرى لديها القدرة العالية على التفاوض، في حين أن التاجر الصغير ملزم على الانصياع لما تفرضه عليه الشركات الكبرى.. لذلك أقول “خافو ربي في التاجر الصغير” خاصة و أن أرقام معاملات هؤلاء التجار قد تراجعت كثيرا، بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطن، و بالتالي يجب مقاومة هذه الظاهرة و التصدي لها.. و هنا أدعو أجهزة الرقابة و كل الهياكل المعنية إلى ضرورة مراقبة البيع المشروط على مستوى المسالك، خاصة و أن هذا النوع من البيع يساهم في ارتفاع الأسعار، و تسعير بعض المنتجات أعلى بكثير من قيمتها الحقيقية و الفعلية.
ثلث الأموال المهربة منذ الاستقلال حدثت في فترة ما بعد 2011
يعتبر موضوع الأموال المهربة مسألة معقدة جدا، نجد فيها جانبا موضوعيا و جانبا ذاتيا، و من بين الجوانب الموضوعية عدم تفعيل الاتفاقية الدولية لمكافحة التهرب الجبائي و الفساد، فلماذا لم يتم تفعيل هذه الاتفاقية؟ و لمصلحة من تم التغاضي عنها؟
من جهة أخرى نجد غيابا تاما للإرادة السياسية الحقيقية، التي كان يجب أن تهتم بضياع و سقوط حق تونس. هذا و لا ننسى قلة و نقص الخبرة، فحكومة ما بعد الثورة كانت بلا تجربة إذ لم تملك أبجديات العمل الحكومي و الدبلوماسي، مما تسبب في خسارتنا للآجال. أما عن الأحكام الصادرة عن القضاء التونسي فغير معترف بها في الخارج أصلا. هذا و غابت عنا المقاربة الدبلوماسية.
و تعتبر الأرقام في هذا الموضوع مفزعة، فهناك من يقول بأن ثلث الأموال المهربة منذ الإستقلال إلى يومنا هذا، حدثت في فترة ما بعد 2011 و هذا رقم مفزع!
لدينا أيضا مسألة التدخل السياسي و هو ما نجده في تقرير المحاسبات الذي تحدث عن حزبي النهضة و قلب تونس في موضوع اللوبيينغ، و هذان الحزبان يملكان حسابات بنكية خارج تونس بالعملة الصعبة! و ذكر تقرير المحاسبات بأن كلا الحزبين قاما بإمضاء عقود لوبيينغ بالخارج عن طريق العملة الصعبة!
و عليه فالعملية معقدة جدا، نجد فيها الذاتي و الموضوعي و السياسي و اللوبيات و أصحاب المصلحة…