أهمية الاستثمار و التنمية و وضع الخطط المحكمة و المنظمة لحلحلة الأزمة
الأرقام معلومة لدى الجميع، و المحللون في هذا البرنامج و غيره قالوا كلمتهم و صرحوا بآرائهم.. و عليه فالوضع جد كارثي و متأزم و هو ينقسم إلى جانبين:
الجانب المالي، و الوضع المالي في البلاد حرج جدا و صعب.
الجانب المؤسساتي و مواطن الشغل، و قد صدر عن المعهد الوطني للإحصاء تحقيق في نوفمبر 2020، و نجد ضمن هذا التحقيق رقما قويا جدا، 65% من المؤسسات الكبرى و المتوسطة و الصغرى مهددة بالإغلاق في غضون سنة واحدة إذا ما بقي الوضع على ما عليه.
و تعتبر المؤسسات ثروة دولية، لذلك يعتبر إغلاقها أمرا جد مكلف، كما تعتبر المالية العمومية و التداين أمرا مهما، و قد مر التداين من 25 مليار دينار في 2010 إلى 100 مليار دينار لهذه السنة! أي أن لدينا ناتج 75 مليار دينار دين، لو تم توظيف هذا المبلغ في الإستثمار لتمكنا من تحقيق كل ما نصبو إليه من مشاريع، لأن هذا المبلغ قد تم إنفاقه للأسف على غير التنمية.
يقول بسمارك:» تهزم الشعوب بطريقتين بالحرب أو بالتداين»، و نحن نخشى على تونس من الهزيمة جراء التداين…
الحلول على المستوى التقني موجودة و قد عمل عليها العديد من الخبراء، و يعتبر العائق الأساسي اليوم هو العائق السياسي، و نحن اليوم أمام مخرجين ممكنين، أولا المخرج الدرامي و هو ما نجد له مثيلا في التجربة اللبنانية و اليونانية، ثانيا لدينا المخرج السلس و هو ممكن التحقق، فكيف يمكننا اليوم الخروج من هذه الأزمة بهذا الوضع السياسي المتعثر؟ و من المنتظر أن يبقى الوضع السياسي على ما هو عليه لمدة الأربع أشهر القادمة، و هو ما يزيد في تأزيم الوضع و صعوبة تجاوزه.
أما بالنسبة لتقارير صندوق النقد الدولي و الصندوق نفسه فإنه لا مفر منه، لكن خطأ الحكومات المتعاقبة منذ عشر سنوات ضنهم أن السياسة الإقتصادية مقتصرة على المصفوفة التي تتناقش مع صندوق النقد و البنك الدولي، في حين أن هذه المصفوفة تحتوي على بعض ضوابط الإقتصاد الكلي، فمن يقرض الأموال يشترط على المقترض أن لا يدنو من الإفلاس، لذلك يتم اللجوء إلى الضغط على المصاريف و غيرها… و ما يصدر عن صندوق النقد ينقسم لجانبين، جانب يحث على الضغط على المصاريف و ينصح بتجنب الإفلاس من أجل تسديد القروض… و لا يتجاوز هذا الجانب نسبة 10% من السياسة الإقتصادية المعقدة جدا.
يجب على الإنتاج أن يكون مفصلا، و كنا قد اقترحنا مشروع ميثاق وطني للإنقاذ، و يحتوي هذا الميثاق على أكثر من 100 إجراء، و لا يمكن لأي حكومة ضمن هذا الوضع الخاص أن تتخطى المصاعب بدون شراكة مع الإتحاد التونسي للصناعة و الإتحاد العام التونسي للشغل، و يجب أن ينبثق عن هذه الإجتماعات ميثاق وطني مفصل و قابل للتنفيذ.
أما بالنسبة للمؤسسات العمومية في القطاعات التنافسية فقد وقع خوصصتها في التسعينات و الألفيات، و ما بقي اليوم يبلغ نسبة 85% من عجز المؤسسات العمومية، و هو متأت من عشر مؤسسات عمومية، أي إن إشكال التخصيص هو رقم أحمر مجاني بالنسبة للإتحاد، و قد عدنا اليوم إلى إعادة الهيكلة و هذا أمر جيد، و تملك أغلب المؤسسات العمومية برامجا لإعادة الهيكلة، على غرار ما نجده لدى شركة الخطوط التونسية و غيرها… و لكن الإشكال الفعلي و الحقيقي كامن في الإنجاز.
أما عن الدعم و خاصة مقولة:» الدعم لمن يستحقه» فتبدو لنا للوهلة الأولى كلاما و شعارا جيدا. و قد تم منذ 2004 الإتفاق على التقليص في الدعم عن طريق الزيادات الصغيرة و المسترسلة، و قد تم بهذه الطريقة التخفيض في الدعم بنسبة 1,5% من الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2010، كما كانت هناك زيادات في قطاع النفط، و هي زيادات مسترسلة و متفاوتة اجتماعيا إذ تم الترفيع في الغازوال دون الترفيع في أسعار قوارير الغاز… و في سنتي 2011 و 2012 تم طرح فكرة توجيه الدعم لمستحقيه، و هي آلية تم إرساؤها في خمس دول، و نجد ما يقارب الثلاثة ملايين تونسي على عتبة الفقر، و لكن ماذا عن السبعة ملايين المتبقية! هل كل هؤلاء أغنياء؟ هذا و لم تجرؤ أي حكومة على اتخاذ قرار الترفيع في سعر مادة ما بنسبة 50%، مرت ثماني سنوات و نحن نتغنى بشعار «الدعم لمن يستحقه» و المعرف الوحيد و غيره… و قد تخلينا أثناء هذا عن سياسة الترفيع في الأسعار بقدر قليل و مسترسل، من ما جعل الدولة تتعرض لخسائر قدرها 300 مليون دينار، لأن الترفيع في الأسعار إذا تجاوز الآجال المحددة يصبح غير سار المفعول، و ما زاد الطين بلة هو الطرق الخاطئة التي نستعملها منذ عشر سنوات، و عليه نحن في حاجة لمخطط من أجل التقليص في الدعم تدريجيا على امتداد خمس سنوات بصفة تدريجية و متفاوتة اجتماعيا.
بعد اتخاذ قرار بإغلاق المقاهي يجب علينا التعجيل في منح التعويض اللازم لهذه الفئات في شكل دعم مالي، يتم منحه للعاملين بهذا المجال بصفة مستعجلة، نظرا لصعوبة الوضع على هؤلاء.
يتكون مخطط الإنقاذ من ثلاثة محاور أساسية:
1- محور الميزانية العمومية و السياسة النقدية، و يعتبر وضع الميزانية العمومية حرجا جدا، من ما يوجب علينا إبرام عقد إطاري بين البنك المركزي و الحكومة يمتد على ثلاث سنوات، و يتكون هذا العقد من جانبين، أولا تمويل الميزانية بصفة تدريجية، و كان البنك المركزي في 2020 قد ضخ مبلغ سبع مليارات في ميزانية تونس، و يمكن اعتماد هذه الآلية في إطار رؤية و برنامج كامل قادر على تمويل الميزانية بشكل تدريجي و مستمر، في المقابل يجب وضع برنامج دقيق لتقليص المصاريف، كتفعيل التقاعد المبكر، حتى نتمكن في مدة ثلاث سنوات من التحكم في مصاريف الميزانية في إطار عقد إطاري مع البنك المركزي.
هذا و يعتبر صندوق النقد الدولي الحل لكل مشاكلنا، و المرور بهذا الصندوق هو أمر حتمي لا مفر منه، و لا سبيل للتعامل مع بلدان الإتحاد الأوروبي، أو حتى البلدان العربية إلا من خلال صندوق النقد.
نحن في حاجة لضبط اقتراحاتنا و إجراءاتنا بدقة عالية، و ذلك حتى نتمكن من نيل ثقة صندوق النقد، لذلك يجب على برنامجنا أن يكون مقنعا و مفصلا، و هنا أنادي خبراء صندوق النقد إلى ضرورة التحلي بالتواضع، ذلك أنهم قد ساهموا في جزء كبير من أزمة تونس اليوم، و هو ما نمثل له بالطرق الخاطئة في التعامل مع الأزمة التونسية الحادة.
2- دفع الإستثمار و القطاعات المنتجة، و لدينا في هذا التوجه عدد 20 ميثاقا قطاعيا، و عليه فالإستثمار و الإنعاش لا يأتيان من العدم، بل يجب على الدولة التدخل لحل المشاكل و تحفيز الإستثمار، و عليه نحن قادرون على إنعاش و دفع التنمية في القطاعات بدون تكلفة مالية مرتفعة و بدون الإنزلاق نحو التضخم، و ذلك من خلال تقاطع القطاعات بعضها مع بعض، من نسيج و مكونات السيارات و الصناعات الغذائية و غيرها… كل هؤلاء يجب أن يعلموا بأن هناك عشرون إجراء دقيقا قادرا على تخليصهم من بعض العوائق التي تعطلهم، و عليه نجد نسبة 70% من هذه الإجراءات ليست بقوانين و لا تعتبر ذات تكلفة مالية كبيرة.
كل ما يلزم هو الإنجاز، و قد تم في سنة 2019 تمرير قانون يقضي بتحديد قيمة الفائدة ب3% بالنسبة لتمويل المؤسسات الصغرى و المتوسطة، و هذا شيء جد مهم خاصة و أنه من الصعب جدا أن يكون الإستثمار مربحا في ظل فائدة تصل لنسبة 10%! إلا أن هذا القانون لم يتم تطبيقه رغم أهميته و وجوده منذ سنتين.
يمكن للعفو الجبائي أن يكون حافزا كبيرا للإستثمار إذا وقع تطبيقه بصفة دقيقة و مفصلة.
3- قطاع الفسفاط و البترول، و هو قطاع كارثي و إنعاشه لا يحتاج إلى المال. و نحن نفقد سنويا ما يفوق ال8000 مليون دينار بالعملة الصعبة بسبب هذين القطاعين، لذا أنادي كل التونسيين و المسؤولين إلى ضرورة إنقاذ تونس الموشكة على الغرق، و لا تفصلنا سوى بضعة أشهر عن الوقوع في حفرة الجحيم، لذلك نحن مطالبون بوضع مخطط مفصل بين الحكومة و المنظمة الشغيلة، مخطط يكون جد مقنع بالنسبة للمانحين، و حاملا لرؤية تمتد على مدى ثلاث سنوات، و حينها فقط يصبح الخروج السلس من الأزمة أمرا ممكن الحدوث، و إذا لم يقع هذا فإن العواقب ستكون وخيمة.
نقل الحوار:بلال بوعلي