كانت خطابات الرئيس مؤخرا تتجه في سياق إثباته قائدا لكل القوات المسلحة التونسية، و كون هذا الإثبات قد تحقق دستوريا فإنه يضمر في باطنه سعي سعيد للسيطرة على كل من المؤسسة العسكرية و الأمنية، فهل يزحزح في القريب العاجل المشيشي و ينتزع منه وزارة الداخلية، بحجة أنه يجب استشارته في تعيينات هاته الوزارة مثلها مثل وزارة الدفاع و وزارة الخارجية؟
دائما ما كان الرئيس قيس سعيد يتحدث في معرض كلامه وخطاباته عن الفساد و الفاسدين، الذين يعرفهم جيدا و يعرف مآربهم و ما يخططون له، يعرف شركائهم و ما ينوون فعله لإلحاق الضرر بالدولة التونسية و شعبها… و لكن إلى حد هذه اللحظة لم نر تحركا فعليا من السلطة الرئاسية لإيقاف من يدعوهم الرئيس بالمجرمين و المتآمرين..
بعد الخطابات والمقاربات و تعدد التفسيرات و التأويلات للوضعية من قبل قيس سعيد، ماذا ستكون خياراته؟ و هل يقدم سعيد في قادم الأيام على اللجوء إلى المحكمة العسكرية، من أجل محاكمة من يتهمهم بالفساد و يملك ملفاتهم؟
هو خيار قد يكون مطروحا، و بالفعل قد تكون للرئيس زيارة إلى المحكمة العسكرية، فكونه دائما ما يصرح بأنه يعرف الفاسدين و يملك الأدلة على كل كلمة يتلفظ بها، فليس من مانع يحول دونه و دون تقديم ما يملكه من ملفات لمصالح المحكمة العسكرية، قصد النظر فيها و التحقق منها.. و إن ثبت الفساد على الفاسد، وجب العقاب و الردع.
و لكن السؤال الملح الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: لماذا لم يقدم سعيد إلى حد هذه اللحظة على اللجوء إلى المحكمة العسكرية، ما دام يملك الأدلة و البراهين الدامغة و الثابتة على تورط من يتهمهم بالفساد.
كان سعيد مؤخرا قد وصف نفسه قائلا “أنا القائد الأعلى للقوات العسكرية و قوات الأمن الداخلي” مقدما كل الأدلة الدستورية التي تجعل منه القائد الفعلي و الآمر و الناهي للقوى المسلحة داخل التراب التونسي، و هذا الأمر يعطي رئيس الجمهورية سلطة و قوة إضافية تمكنه من الإقدام على طرح كل ملفات الفساد على المحكمة العسكرية، و بالتالي سيكون سعيد قادرا على أن يكون الشخصية الأقوى في البلاد، أي الشخصية القادرة على اتخاذ القرارات و تنفيذها دون أي اعتراض أو تعطيل… و في هذا السياق نتساءل عن ما إن كان سعيد قادرا على تجريد المشيشي من وزارة الداخلية؟
من جهة أخرى أشار الرئيس مؤخرا إلى “النسب” فهل كان يقصد بذلك “عبد السلام بو شلاكة”؟ هذا و اتهم “رفيق عبد السلام” و هو صهر الغنوشي في عدة مناسبات و مقالات بأنه ناهب أموال التونسيين، و يعتبر رفيق عبد السلام منتميا إلى التنظيم الاخواني، و متهما بتحصيل التمويلات المشبوهة، و كان أمين سر الغنوشي سابقا “الشهودي” قد وصفه و صنفه ضمن الفئة “الفاسدة و المفسدة”..
فهل يكون رفيق عبد السلام هو المقصود بكلمة سعيد “النسب”؟
في النهاية يبقى هذا الأمر طي الغموض و الإبهام، و إلى حين أن ينتقل رئيس الجمهورية من طور الكلام إلى طور الفعل، تبقى كل الإتهامات مجرد كلام في الهواء.