بدأت تونس الرقمية سنة 2013، ليتم على ضوء هذا وضع برنامج متكامل نجد فيه المعرف الوحيد و السحابة الوطنية و التوافقية… و ذلك من أجل البناء و اللحاق بالركب.
كان هدفنا الرئيسي سنة 2013 متمثلا في اللحاق بالدول المتطورة في مجال الإعلامية، خاصة في مسألة رقمنة الأوراق، لنكون بذلك قادرين على الحصول على الوثائق دون التنقل إلى الإدارات و الوقوف في الطوابير… و كل هذه المساعي تعود إلى القرن الماضي، و هذا هو سبب إسراعنا لمحاولة اللحاق بالركب العالمي سنة 2013. و منذ ذلك الحين تمكنا من تحقيق تقدم طفيف بعقليتنا و نظرتنا الخاصة لما يحدث حولنا. و إليكم بعض الأرقام في ما يتعلق بهذا الموضوع:
منذ سنة 2015 إلى يومنا هذا تضاعف سوق الأمن السيبراني بمقدار 17 مرة، أي أنه مر من 400 مليون دولار إلى 6.6 تريليون دولار. أما عن العملة الرقمية فقد تضاعفت منذ 2015 إلى يومنا هذا بمقدار 100 مرة. و بالنسبة للبيتكوين فقد بلغت قيمته سنة 2015 ما يقارب 500 دولار، أما اليوم فقد ازدادت هذه القيمة لتصبح 52 ألف دولار.. و عليه فنحن نقوم بعملية البناء دون الأخذ في الإعتبار للمستقبل و التطور الحاصل في العالم!
أما بالنسبة للرقمنة فقد قمنا بإدخال انترنت الأشياء و الذكاء الاصطناعي، و أصبحنا اليوم نتحدث عن المدن و المستشفيات الذكية، لأن هذا المجال لا يتعلق برقمنة الأوراق، بل بالتعرف على الأشخاص و السيارات عن طريق الحاسوب. أما عن الآلات التي نجدها بالمستشفيات فلم تعد في حاجة إلى من يراقبها، بل صارت رقمية خالصة تراقب نفسها بنفسها…
إن هذا الكلام بالنسبة للشباب و الشركات الناشئة عبارة عن لعبة.
تمكنت مصر من إرساء المدن الذكية، و ذلك بفضل الحكومة و الرئيس، و هي آخذة في التطور بنسق سريع جدا. أما الرقمنة في تونس فنختزلها في النظر لاستعمال صغارنا لموقع فايسبوك مثلا، و كيفية تعاملهم مع الرقمنة.. و لكن في ذات الوقت نحن غير قادرين حتى على توفير مضمون ولادة رقمي! كما أنه على المسافر أن يقوم بملئ استمارة ورقية عند وصوله من بلد أخرى إلى تونس، كما أننا لا نزال نتعامل بالطوابع البريدية… و تظهر هذه المعاملات كم التفاوت بين تونس و بلدان العالم الأخرى، من ما يجعل هذا البلد بعيدا جدا عن الواقع، و نحن في هذا السياق لا نتحدث عن بلدان أوروبا أو أميركا، بل نتحدث عن مصر و المغرب اللتان حققتا تقدما رقميا جد متميز.
هذا و تعتبر الرقمنة سلاحا لخلق الإضافة، هي ليست إعلامية، بل هي وسيلة لجلب الناس و خلق الإضافة و استقطاب الأموال. و يعتبر المسؤول الأول عن الرقمنة في تونس اليوم رئيس الحكومة، بما هو المسؤول و المكلف بالإدارة، حيث أنه مطالب بلقاء كل الوزراء للتباحث في هذه المسألة. علما و أنه لا يوجد لدينا وزير في تونس متمتع بجدول أعمال، ذلك أنهم جميعا ينتظرون تلقي المعطيات من أجل اتخاذ القرارات.. و كون الوزير مفتقرا للمعطيات، يجعل منه غير قادر على اتخاذ القرارات، خاصة و أن من سيقوم بجلب هذه المعطيات إما ستكون ناقصة أو قديمة أو فيها عدة إشكاليات… لذلك نعود و نؤكد بأن القرن الواحد و العشرين هو قرن الآنية.
الرقمنة مُعَطّلة بسبب غياب مجلس استراتيجي رقمي
قمنا في سنة 2014 بتركيز هيئة حوكمة تحت مسمى “المجلس الإستراتيجي الرقمي” ويتكون هذا المجلس من سبعة أشخاص من القطاع الخاص، و سبعة آخرين من القطاع العام، من بينهم بعض الوزراء. و كنا آن ذاك نتجادل حول الخيارات بين القطاعين العام و الخاص. و كان المجلس يجتمع كل ثلاثة أشهر، إلا أنه منذ أفريل 2019 لم يجتمع، كما أنه لم يجتمع لمدة سنة كاملة قبل هذا التاريخ. و لم تقم هذه الحكومة بأي مجلس استراتيجي رقمي، و من أجل تسيير برنامج الرقمنة يجب تواجد هيئة حوكمة تلتئم كل ثلاثة أشهر من أجل التحاور في ما تم تحقيقه… و لكن للأسف لا يوجد أي شيء من هذا.
المركز الوطني للإعلامية في حاجة إلى التغيير و التطوير
قمنا بزيارة العديد من الدول كالهند و أستونيا، و اطلعنا على العديد من التجارب، كما أدلينا بالعديد من الإقتراحات كإنشاء وكالة رقمية، نضع فيها المحامين لتصبح قادرة على شراء المهارات، من ما يجعل منها مستقلة كأداة للتحويل. ثم يتم وضع هذه الوكالة تحت تصرف رئيس الحكومة، علما و أن هذا الاقتراح قد تم تطبيقه. و العالم من حولنا في تقدم مستمر رغم كل المشاكل التي تواجهها دوله.
الشيء الثابت أن العالم يشهد تحولا جذريا على مستوى الرقمنة، و كل الدول التي تطورت رقميا واجهت نفس المشاكل التي تواجهها تونس اليوم، و لكن نحن للأسف لم نستطع التأقلم مع الوقت من أجل تغيير “المركز الوطني للإعلامية” الذي وجب أن يكون بمثابة الشعلة الساعية نحو التطور و التغيير، إلا أنه أصبح بمثابة المغناطيس الذي يسحبنا نحو الأسفل أكثر فأكثر. لذلك نحن مطالبون بالتغيير من أجل ضمان التطور.