في مختلف البلدان العربية تعوّد الكتّاب و المحامون و المهتمون بالقضاء و لاحظوا انه لا يجوز التعليق على احكام القضاء في البلدان الحرة حسب المبدأ الذي يؤكد سيادة القانون و استقلال القضاء و احترامه كما لاحظ اخرون “ان الاشادة بحكم ما يستوي مع ثقته و عدم الاقتناع به مع التأكيد على وجوب احترام احكام القضاء بلا اعتراض”و لو ان اهل الفتاوى في ميدان القضاء يرون ان ما يحرر بحكم القانون في اي بلد يلقى الاساءة الى القاضي بالطعن في شخصه او تجريح ذمته او التشكيك في دوافعه…. و يؤكدون ان التعليق على الاحكام امر جائز و مسموح به وهناك مجلات متخصصة في القانون تحلل الاحكام القضائية و تبدي الاراء المختلفة في معالجة القضايا … فمن حق المعلق ان يحلل الحكم القضائي و يناقش سلامة تفسير المحكمة للقانون اي المادة التي اعتمدت عليها في اصدار الحكم النهائي وهذا يعتبر تفسير و يدخل في باب اجتهاد المحلل لإنارة القراء و المشاهدين اذا وجد بعض الغموض بين القضية الاصلية والحكم النهائي….
وفي احدى المجلات تعرض كاتب الى غضب الجمهور من حكم في قضية شائكة و هذا عادي في كل البلدان… ففي انقلترا و منذ سنوات اصدر احد القضاة حكما اعتبر لينا لا يستقيم مع جريمة فظيعة ارتكبها مجرم تمثلت في اقتحام كنيسة واغتصاب امرأة كانت تصلي ثم سرق ما خف حمله و هرب … ورأى المجتمع ان الحكم لا يستقيم مع هول الجريمة و تعددت الاحتجاجات و اهتز الرأي العام و اطنبت وسائل الاعلام في ابداء انزعاجها من الحكم … ومرت كل هذه الاحتجاجات في نطاق النقاش المحترم رغم ان المجتمع في ذلك الوقت كان يشكو من ارتفاع وتيرة الاجرام في انكلترا و اعتبر الحكم تشجيعا للمجرمين و في النهاية اضطر القاضي الى الظهور على شاشة التلفزة و شرح وجهة نظر المحكمة و لماذا اصدر ذلك الحكم …. كل هذه الزوبعة و لم يتعرض القاضي الى الاهانة ولا الى السب و الشتم اي ان التعليق على الحكم حق شرعي في الحدود المرسومة لذلك.
وهنا نود من الاوساط القضائية في بلادنا ان تتفاعل مع الجماهير في القضايا الشائكة و تشرح ما غمض عنها لان اجواء الحرية التي تدخل فيها البلاد بددت التردد و الخوف و اصبح كل شيء في متناول البشر ….. و القضايا على اختلاف انواعها تحتوي على جزئيات لا يمكن للملاحظ ان يفهم وزنها في اصدار الحكم النهائي… ثم اننا نعيش فترة اجتياز محن مؤلمة زرعت الشك في النفوس وهنا يستوجب بعث حوار بين الطرفين يبدد كل انواع الشكوك و الحيرة و الحوار مطلوب دائما في شتى القضايا التي تهم الرأي العام خاصة وسط تعدد التهم بالانحياز لطرف على حساب الاخر.