
ربان و خبير بحرية تجارية
ماجستير الأكاديمية البحرية
بناءا على قوله تعالى في الآية 8 من سورة المائدة ” يا أيها الذين امنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ” وبناءا على أن جزاء الإنسان على أفعاله يتغير حسب سعيه إلى الرحمة أو إلى العذاب، فإن كلّ من آمن بالله ولم يشرك به أحدا ثمّ عمل على إقامة الحق بالعدل والإنصاف يكون له حظ عظيم لدخول الجنة إذا اعترف بذنوبه وسعى إلى إصلاح أعماله بما يرضي الله، في حين أن كلّ من يشرّع إلى الباطل وأصرّ على ذلك بعد أن يكون قد بلغه تحذيرا من الله، فإن الله قد أصدر فيه حكمه بأنه لا يعترف بذنبه في إصراره ويتوعده بأن يخلد به في النار وبأن يقيّض له شيطانا يجعل منه بشرا جبّارا ومتكبّرا لا يقبل الهداية أبدا ويحسب أنه من المهتدين
فحسبما يتضح من قواعد الجزاء بما يسعى إليه الإنسان في التقوى والهوى والعصيان تفسيرا لقوله تعالى في الآية 15 من سورة طه ” لتجزى كلّ نفس بما تسعى ” ولقوله تعالى في الآية 281 من سورة البقرة ” ثمّ توفّى كلّ نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ”، فإن كلّ من اتبع أهوائه في إصراره على أي معصية من المعاصي بعد أن كان من المهتدين ويكون بإصراره قد غفل عن الذكر إلى أن أضلّ نفسه وهو يحسب أن سعيه هيّن عند الله وقد يكون قد دخل في النسيان بإسرافه في المعاصي ثمّ أنه إذا ذكّر بما يتقي فهو يعترف أمام الله بذنوبه ويتمنّى الرحمة إلاّ أنه لا يسعى ليصارع نفسه على المعصية، فإنه يجزى بما كسب من أفعال دون تخفيف من العذاب إن لم يختصه الله برحمته لإيمانه ولعمل صالح قدّمه بعد أن ينظره ليرى توبته لقوله تعالى في الآية 21 من سورة العنكبوت ” يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون ” وقد يكون جزائه بأن يخلد في النار إذا توعده الله بذلك في المعصية التي أصرّ عليها مثل حكمه تعالى في الآية 68 من سورة الفرقان جزاء من لا يتوب من الشرك والفواحش والقتل.
أمّا من كان من الغافلين ولا يعترف بذنوبه في إصراره على أي معصية من المعاصي بعد أن يذكّره الله بما يتقي، فإنه يكون قد سعى إلى العصيان لأنه يكون قد رفض التصديق بآيات الله ولن يكون حينها من المؤمنين حقّا إذا كذّب ببعض ما أنزل الله مستكبرا عن آياته بتأويل يرضي نفسه، ثمّ أنه إذا لم يرجع من قريب فإنه يكون قد دخل في الفسوق الذي تكون فيه العزة بالإثم ولذلك فإن الله يتوعده بأن يخلد في النار وبأن يخرجه من رحمته بعد أن يضلّه لكي لا يهتدي من كفره، لقوله تعالى في الآية 8 من سورة الشورى ” يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ” ولقوله تعالى في الآية 22 من سورة السجدة ” ومن أظلم ممّن ذكّر بآيات ربّه ثمّ أعرض عنها إنّا من المجرمين منتقمون ” ولقوله تعالى في الآية 85 من سورة البقرة ” أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلاّ خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة ” ولقوله تعالى في الآية 36 من سورة الأعراف ” والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ”.
فعلى هذا الأساس، فإن كلّ من يشرّع إلى الباطل ليمنع الحكّام من إقامة الحق بالعدل والإنصاف أو ليفرضه على الناس ظلما في قضاء حاجاتهم وأصرّ على ذلك وهو يعلم أن الله قد حرّمه، فإنه يكون قد ابتعد على التقوى بما أن الله قد أصدر فيه حكمه بأنه لا يعترف بذنبه وبأنه من الفاسقين الذين كفروا بما أنزل الله بعد أن يئسوا من رحمته فيما قدّموا من أفعال أو في عزمهم على اتباع أهوائهم ولا يمكن بذلك أن يتقي لأنه لم يعد يعمل حساب للإثم بعد أن يكون الله قد قيّض له شيطانا ليضله على الصراط المستقيم وقد يسير به إلى كبائر الإثم في الفسوق ويجعله يحسب بكفره أن ذلك هيّن عند الله،لقوله تعالى في الآية 44 من سورة المائدة ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ” ولقوله تعالى في الآية 47 من سورة المائدة ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ” ولقوله تعالى في الآية 23 من سورة العنكبوت ” والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم ” ولقوله تعالى في الآية 36 من سورة الزخرف ” ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيّض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدّونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ”.
حيث أن الله يعلم أن من يشرّع إلى الباطل لا يعترف بذنبه لأن الله يعلم بأن إصراره على مخالفة الأمر بالعدل والإنصاف بعد تذكيره بآيات الله لن يكون لضعف في نفسه على مقاومة أهوائه ليتقي بعد أن كان قد دخل في الغفلة والنسيان، بل أن ذلك يكون إصرارا على مكر السيئات ولا يكون إذا ذلك الإصرار إلاّ من باب العصيان استكبارا على ما يأمر به الله وتكذيبا لما حرّمه بقوله تعالى في الآية 10 من سورة فاطر ” والذين يمكرون السيّئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور ”،كما أن الله يعلم بأن إصراره يأتي بعد أن يكون على يقيين من تحذير الله له بأن الله لن يقبل منه أي عذر وبأن إصراره ينتهي بان يخرجه الله من رحمته ولا يمكن حينها لأي مؤمن عاقل أن يعترف أمام الله بأنه يقبل بأن يخلد في النار بل أنه يكون حينها قد دخل في الفسوق بإصراره على العصيان الذي تكون فيه العزة بالإثم، لقوله تعالى في الآية 206 من سورة البقرة ” وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنّم ولبئس المهاد ”.
ولذلك فإن الله قد أصدر حكمه بأنّ من يشرّع إلى الباطل سعيا وإصرارا لن يكون من المؤمنين الذين اعترفوا بذنوبهم بل يكون قد كذّب بآياته لأن إصراره يأتي بعد أن يكون قد بلغه تحذيرا من الله في الآية 10 من سورة المائدة بقوله تعالى ” والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم ” والذي يأتي تحذيرا لمن كفر على معنى الآية 44 من نفس السورة بعد أن يكون قد خالف أحكام الآية 8 من نفس السورة ولم يتقي ليحكم بالعدل والإنصاف أو يشرّع إليه وأحكام الآية 26 من سورة ” ص ” لقوله تعالى ” فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ” وأحكام الآية 42 من سورة البقرة لقوله تعالى ” ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ”.
وحيث يكون التشريع إلى الباطل في التشريعات المتعلقة بشروط الاستحقاق وفي الإجراءات المتعلقة بأعمال اللجان التي تكون لها سلطة تقديرية في تقييم الاستحقاق وذلك عندما تتعلق التشريعات بإصدار أوامر وقرارات ترتيبية لقوانين أو لمعاهدات دولية لا تكون عليها أي رقابة تشريعية وتكون إقصائية أو تسمح بالإقصاء إذا كانت تلك التشريعات تتعلق بشروط غير منصفة وغير قابلة للتنفيذ لأفراد دون آخرين وعندما تعتمد الإدارة شروطا إقصائية لتكمّل بها الشروط القانونية ويتمّ إرجاعها إلى أعمال اللجان التقديرية في تقييم الاستحقاق ثمّ أن تلك الشروط تبقى سرّية ولا يتمّ إثارتها بتقارير اللجان التي تعتمد قانونيّا لدى القضاء في إثبات الاستحقاقمن عدمه.
في حين أن كلّ تقييم للاستحقاق يعتبر عملا قضائيا ولذلك فإنه لا يمكن أن تعتمد أعمال اللجان قضائيّا إن لم تكن عليها رقابة قضائية لتصحيح الإخلالات الإجرائية من خلال التأكّد من شرعية جميع الشروط المعتمدة في التقييم وفي حين أن القاضي لن يكون بإمكانه الوصول إلى الحق على مبدأ العدل والإنصاف إذا كان مقيّدا بالتشريعاتالمعدّة أساسا للنزاعات الإدارية وليس لإقامة الحق وإذا كان مقيّدا كذلك بالسلطة التقديرية للجان التي تكمّل بها الإدارة تلك التشريعات إن لم تكن كافية لأعمال الباطل.
ولذلك، فإنه يكون من الأصلح شرعا تمكين القاضي قانونيّا ودون التقيّد بأي إجراء شكلي من إصدار أحكام باتة بالرجوع إلى اجتهاده الخاص وإلى الأعراف الدولية إذا ثبت لديه أن التشريعات المتعلقة بشروط الاستحقاق لا يمكن تأويلها على مبدأ العدل والإنصاف وتمكينه كذلك بنفس الصلاحيات من تصحيح قرارات اللجان إذا ثبت لديه أن تقييمها يقوم على شروط غير مصادق عليها قانونيّا ولا يقوم على أعمال تقديرية تكون من اختصاصها أو إذا ثبت لديه أن تلك اللجان لم تخضع إلى الرقابة القضائية ويمكنه حينها الرجوع إلى الاختبارات أو الاستشارات العدلية في تقييم الاستحقاق.
ثمّ أنّ كلّ من يكون قد عطّل الإصلاحات التشريعية أو عطّل تنفيذ حكم قضائي أو حق مشروع وبنية التعطيل، فإنه يكون قد شرّع إلى الباطل أو منع الوصول إلى الحق ويكون بذلك قد أعرض على الحكم بما أمر به الله ويكون عند الله قد كفر بآياته إذا أصرّ على ذلك بعد تذكيره بما يتقي وإن واصل في إصراره فإن الله يكون قد أخرجه من رحمته إن لم ينظره وحينها فإنه لن يرجا منه إصلاحا لأن الله يكون قد قيّض له شيطانا يزين له أعماله، كما يمكن أن يخلد في النار كلّ من يكون قد شارك سعيا وإصرارا في كتمان الحق بتشريعات أو إجراءات باطلة وقد أطمأن وهو يعلم أنه يتعاون على الإثم والعدوان بعد أن يكون قد بلغه تحذيرا من الله بأنه يكون بسعيه قد شارك من يخلد به الله في النار لقوله تعالى في الآية 2 من سورة المائدة ” وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ”. وإن هذه لتذكرة للمتقين لكي لا يتبعوا أهواء قوم قد ضلّوا عن سواء السبيل، لقوله تعالى في الآية 9 من سورة الأعلى ” فذكّر إن نفعة الذكرى سيذّكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثمّ لا يموت فيها ولا يحيى ” وذلك بعدما تبيّن أن معصية واحدة يغفل عنها من اتقى ويحسبها هينة عند الله تكون كافية لتحبط جميع أعمال الخير عنده وتخرجه من الرحمة بالموازين ليحاسب على جميع المعاصي التي ارتكبها دون تخفيف من العذاب، وبعدما تبيّن أن الإصرار على تلك المعصية بعد أن يذكّره الله بما يتقي يقود إلى الكفر من باب التأويل لما أمر به الله حسبما يرضي من كان يحسب أنه من المهتدين ودون أن يتوقع أن ذلك الإصرار يكون عند الله دخول في العصيان بعدم الاعتراف بالذنب وليس عجزا وقلة صبر لمن يخشى يمكن أن ينال به رحمة خاصة في الجزاء على ما كسب من سيّئات، والذي ينتهي به إلى أن يضله الله ويخلد به في النار بعد أن يكون قد بلغه تحذيرا من الله من الإصرار على العصيان ويرى إصراره على العزة بالإثم ليجعله بكفره غير محرّما أو ليجعل جزائه هيّن إن كان ينتظر في ذلك تأويلا من الله يرضي نفسه، لقوله تعالى في الآية 81 من سورة البقرة ” بلى من كسب سيّئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ” ولقوله تعالى في الآية 23 من سورة الجن ” ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنّم خالدين فيها أبدا ” ولقوله تعالى في الآية 115 من سورة التوبة ” وما كان الله ليضلّ قوما بعد إذ هداهم حتى يبيّن لهم ما يتقون إن الله بكلّ شيئ عليم ”.