بقلم الدكتور محمد الصغير الهبائلي:
مدير مركز البحوث و الدراسات الأمنية
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت … فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
هذا البيت الشعري الذي ارتقى إلى درجة الحكمة لأمير الشعراء أحمد شوقي يلخص في بضع كلمات السُّلم الذي من خلاله ترتقي الأمم، وهو ذاته الذي إذا ما انفلتت درجاته سقطت دول واضمحلت، فالأخلاق هي مجموعة ضوابط ومبادئ عامة بمثابة العقد الذي يربط أفراد المجتمع، ومنها تسن التشريعات وتوضع الدساتير فيصبح المتعارف عليه إلزاما للجميع حتى لا يتجاوز الفرد حدود الاحترام، هو احترام متبادل ومستوجب للتوقف عند الحدود والضوابط الدينية منها والموروثة والمتفق عليها وهي مقياس من مقاييس وحدة المجتمعات وصلابتها، ومتانة الروابط بين الأفراد، وأن تتفكك المفاهيم وتختلف زوايا الرؤية للمشهد الأخلاقي للمجتمع فهذا سيدخل الوطن إلى غياهب الانقسام والانبتات ، فأن نختلف في اختياراتنا الشخصية لا يفسد للود قضية ولكن أن نختلف في المبادئ العامة للأخلاق الاجتماعية فهذا لن يؤدي إلا إلى زوال وحدتنا وأمتنا .
و هنا يكمن الخطر الذي يهدد مجتمعاتنا العربية التي تعرف الآن أعلى درجات الدناءة والرداءة الأخلاقية، فانتشار اللامبالة الأخلاقية والتجاهر بما ينافي الحياء وإبداء عدم الاحترام للأصول وكبار السن وأصحاب السلطة الأدبية كالآباء والأعمام والأخوال والمدرسين وصولا إلى الأجوار والمعارف نتيجته الحتمية هي تفكك الروابط الأسرية وانتشار سفاح المحارم وانتفاء احترام المقامات، وهو أمر نلاحظه في أيامنا هذه من انقلاب موازين القوى حيث تمكنت الآلة الاستعمارية من بث سموم التوتر الاجتماعي من خلال برامج تلفزية وإذاعية أقل ما يمكن أن يقال عنها بالتافهة واللا أخلاقية أهو التحرر الأخلاقي أم الفوضى الأخلاقية ؟
إن كان تحرر وحرية فما عليهم إلا الالتزام بحدودها فحريتك تنتهي حيث تنطلق حرية غيرك، وما عليهم إلا احترام الآخرين اللذين حتى وإن كانوا أقلية، والتعلل بفتح المواضيع المسكوت عنها لا يسمح لأي كان أن يصل بما يوحي أو ينطق بما لا نقبله أخلاقيا، فابتعد بأفكارك عن عقول أبنائنا ولا تشرع لما تراه عاديا في حين تربينا على عكس ذلك دينيا وثقافيا واجتماعيا.
ولكن علينا أن نتساءل عمن وراء ذلك ؟ أهو عجز العائلات على تربية أبنائهم حتى بات الابن أقوى من أبيه؟ أم هو سياسة دولية مفروضة علينا للخروج بنا من سكة التواصل الاجتماعي ؟ أم هي مجموعة كوابت وعقد يتم إخراجها بصفة لا إرادية وتوجيهها إلى ضرب العقد الاجتماعي؟
مجموعة من الأسئلة قد تلتقي جمعاء وتتكاتف بفعل فاعل لتصل إلى تهديد الأمن القومي للبلاد من خلال تحطيم المنظومة الأخلاقية للمجتمع والتي منها تخرج المنظومة الاجتماعية وعليها تنبني المنظومة التربوية والتعليمية وهو ما يفسر تردي المستوى التعليمي بالبلاد، ونحن بذلك مهددون بفقدان وطنيتنا ووطننا ولا حل لنا إلا العودة على الأعقاب والوقوف وقفة المتأمل لتصحيح المسار الأخلاقي الذي يمثل الهيكل العام لتطور المجتمع والعمل على تأثيث الروابط الاجتماعية وتأصيلها وهو ما فعلته أغلب الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية في حملات متواصلة لتمتين الروابط الأسرية والاجتماعية ، فباتوا أكثر نظام وأصبحنا أكثر فوضى ومآسي اجتماعية بعد أن كنا خير أمة أخرجت للناس، وأخيرا ما يمكن أن نلاحظه اليوم من ترد أخلاقي لا يمثل إلا ضربا للدولة والوطن وانهيارا للمجتمع وأواصره…