من المعلوم أن عائدات الإشهار هي عملية تسويقية للمتلقي تؤمن موردا ماليا مهما لنجاح واستمرار الإذاعات وغيرها من وسائل الإعلام فالحصول عليها يجب أن يتم بطريقة لا تتنافى مع ما تسمح به “الهايكا” المكلفة بتنظيم وتعديل القطاع الإعلامي ، وأيضا دون ” قصف” المستمع بالاشهارات وخاصة المقنعة منها.
اليوم وخاصة في البرامج الصباحية اشتد التنافس بين الإذاعات لاستقطاب أكبر حصة من الإشهار ، الذي تراجعت قيمته في السنوات الأخيرة ، وذلك من خلال تعزيز الفرق بنقاد وإعلاميين تعودوا على صنع ” البوز” وأصبحت لهم جماهيرية لدى المستمعين ، وكذلك من خلال اعتماد الإشهار المقنع عبر تنظيم مسابقات بأسئلة ركيكة وتقديم جوائز من مؤسسات مع ذكر أسمائها وإبراز أهمية منتوجها وتفوقه على منتوجات شركات أخرى منافسة.
والأغرب أن أغلب الإذاعات أصبحت تستنسخ نفس مكونات البرامج الصباحية وأحيانا نفس الفقرات مع تغيير طفيف وهو ما أغلق باب الاجتهاد والتنويع وإثراء المشهد السمعي في البلاد.
هذا التوجه الإشهاري الطاغي غيب الجانب الجدي في العمل المتضمن للجانب الإخباري والتثقيفي والترفيهي الجاد لتبرز الجوانب الهامشية وما يصاحبها من تعليقات تهكمية تحمل الإساءة إلى الأشخاص أكثر من الإضحاك والنقد.
وتلعب شركات سبر الآراء واستطلاعات الرأي دورا محوريا في توجيه الإشهار إلى الإذاعات إذ تدفع نتائجها ، وهي في الغالب غير دقيقة ولا تستند إلى طرق عمل علمية ، شركات الدعاية والتسويق إلى تقسيم ميزانيات الإشهار التي تتصرف فيها إلى الإذاعات الأكثر استماعا حسب ما تؤكده شركات سبر الآراء ولا يغيب على احد من المتابعين وجود مجاملات وهدايا في رفع أسهم بعض الإذاعات وضمان حصة كبرى من الإشهار.
في متابعة لبعض البرامج الصباحية “الماتينال”وعن برماجيتها ..حدثنا الصحفي فيصل الشابو عن البرنامج الصباحي “صباحنا هكة ” على موجات إذاعة الشباب
والذي تتخلله عديد الفقرات ومنها فقرة ” يافتاح يارزاق” وهي فقرة يقدمها الصحفي فيصل الشابو في مصافحة مع المواطنين وخاصة الشباب في عنصر مسجل يحكي عن التجارب المهنية لهم وهم في طريقهم للعمل، و في ذلك رسالة مضمونة الوصول إلى الشباب العامل أو الباحث عن العمل دعوة للتفائل و الأمل، و من أهم الفقرات أيضا نجد فقرة ” بومخيبر اون لاين ” للزميلة هناء الطرابلسي قراءة لما يتم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي ” تويتر وفايسبوك وانستقرام “، و أيضا فقرة ” غمزة ” للزميل خليفة شوشان ،قراءة نقدية لأهم الأحداث السياسية ، و كذلك فقرة ” بوشماط ” و هي فقرة تحليلية لأهم الأحداث الأخيرة التي تم تداولها في كل الإذاعات السمعية أو البصرية، و أخيرة فقرة ” الكلام الزين ” فقرة ذات مرجعية تارخية و فكرية و هي بمثابة رسالة ايجابية للمستمعين في بداية يوم جديد قصد بعث الأمل و التفاؤل.
شمس أف أم كغيرها من الإذاعات الخاصة عمدت إلى تقديم برنامج صباحي تنشيطي يتضمن معلومات متنوعة ومسابقات وألعاب وموسيقى يقع بثه من الاثنين إلى الجمعة من السادسة إلى التاسعة صباحا، بتننشيط حمزة البلومي و الإعلامي محمد بوغلاب، لتحتل إذاعة شمس أف أم المرتبة الثالثة من حيث نسبة الاستماع في تونس بــ 500 ألف مستمع يوميا بحسب آخر سبر أراء أصدرته شركة “سيغما كونساي” خلال اللقاء السنوي للكشف عن نتائج عملية سبر الآراء التي اهتمت بأعلى نسبة استماع للإذاعات العمومية والخاصة .
وتحتل إذاعة الزيتونة المرتبة الثانية بـــ 620 ألف، بينما احتلت موزاييك آف آم المرتبة الأولى بمليون 350 ألف مستمع يوميا وتحتل إذاعة جوهرة المرتبة الرابعة بــ 455 ألف مستمع يوميا بحسب المصدر ذاته.
تتماشى الصحفية الاستقصائية والمدونة روضة الورتاني مع الذي قيل في النص المذكور وتؤيده وتظيف جانبا آخر من إقحام عملية اشهارية ناجحة ومثيرة ومغرية بأساليب ملتوية وذكية تفرز إشهارا لتسويق سياسي يهم الأحزاب، وهذه موضة ما بعد الثورة فالأرضية تعج بالأحزاب المتنافسة والتي تلعب دور فعال في استقطاب المتلقين ويعد هذا فرصة كبيرة لتحقيق نسبة الاستماع أو المشاهدة ليرتفع عداد البرنامج ويكون مربحا مائة بالمائة، فالاستماع لنقاشاتهم خصوصا لما يكون فريقين متضادين إذ تكثر الخصومات باختلاف الرأي، ويمكن دور الإعلامي في فك النزاع أو التوصل إلى حل بينهم وهذا هام في التسويق الإعلامي والمماطلة للوقوع في ما يسمي “بالبوز”.
و أضافت، من جانب آخر، “جلبهم” للبرنامج بطريقة شبه دبلوماسية خصوصا وان اغلب رؤساء الأحزاب هم بالأساس رجال أعمال، مثلما هو حاصل في اغلب البرامج اليومية وفي محطات حققت نجاحاتها بمثل هذه الطرق والوسائل سمعية كانت أو بصرية وبنفس الجوهر، وربما كان هذا من الأسباب التي أحدثت التخمة للمتلقي إلى حد الاستنفار والتشكي فما يذكره الإعلامي ليلا في برنامجه التلفزي يعيده في برنامجه الإذاعي، وربما بنفس الشخصيات وكان هذا سلاح ذو حديين نتيجته الاستهلاك وتقوية الإشهار رغم المجازفة .
من جانبه أفاد الإعلامي و رئيس تحرير جريدة الشروق نجم الدين عكاري أن طبيعة ومحتوى البرامج الصباحية في الإذاعات التونسية تغيرت عما كانت عليه زمن ” يوم سعيد ” في الإذاعة الوطنية ، و أن هذا التغيير جاء بقدوم إذاعة موزاييك الخاصة التي غيرت الخطاب ونوعية الأغاني المنتقاة وخاصة إدخال الألعاب والمسابقات والجوائز المالية واعتماد الأركان الفكاهية ، مضيفا أن لغة الشارع تجسمت في تدخلات المقدمين والمستمعين وأغاني الراب و تم السماح بالتعرض إلى القضايا الأخلاقية بالتفصيل في إطار متابعة الأحداث الإجرامية .
و أضاف، ” الغريب أن كل الإذاعات اعتمدت نفس التمشي وحصرت ” تنافسيتها ” في نفس الخط دون أن تبحث لها عن أركان تميزها سواء كانت إخبارية أو تثقيفية وركزت على تشريك المواطنين وإغرائهم بجوائز مهداة من شركات خاصة في إطار الإشهار المقنّع واعتمدت على شبكات التواصل الاجتماعي والبث عبر ” النات ” للرفع في قاعدة المستمعين لاستقطاب وكالات وشركات الإشهار.
في حين اعتبر الصحفي خليل الشابي أن الإنسان في حاجة دائمة إلى استقبال يومه بجرعة من الأمل و التفاؤل و منذ اللحظة التي يركب فيها سيارته يبدأ تلقائيا بتصفح موجات الراديو بحثا عن برنامجه المفضل في احدي الموجات الإذاعية و رغم أن البرامج الإذاعية متنوعة إلا أنها أصبحت تتشابه أو تتقارب بالمعني الأصح لكن تبقي طريقة المذيع المثلي في شد انتباه المستمع مهما كان نوع البرنامج، فهي متنفسا لأولئك الباحثين عن حرية التفكير بأمل و الإصغاء بانتباه و الضحك بتبسم، وهي فسحة تبدأ مع الفجر فشروق الشمس إلى حين شرب قهوة الصباح تساهم في تعديل المزاج و تنشيط الذاكرة و تصغي الآذان لكل جديد و مفيد، و بالتالي يعد ” الماتينال ” فرصة للتسامح مع الذات بسماع النصيحة و النكتة الهادفة و الخبر المفيد.