لاحظنا أنكم كُنتُم من بين السياسيين الأوائل الذين ساندوا السيد يوسف الشاهد رئيس الحكومة في الحملة التي كان قد أطلقها منذ تاريخ 23 ماي ضد الفساد . هل كان ذلك من منطلق موقعكم كطرف موقع على وثيقة قرطاج أم لقناعتكم بقدرة هذه الحكومة على التصدي لظاهرة الفساد ؟
فعلا ، لقد كنت اول من علق على هذه الحملة برسالة استحسان وتشجيع للسيد رئيس الحكومة ، داعيا إياه الى خوض حرب ضد الفساد مستعينا في ذلك بكل القوى السياسية ، والأطراف الاجتماعية ومكونات المجتمع المدني التي لا بد ان تلتف حول الحكومة في هاته المعركة التي نعتبرها مصيرية نظرا للحجم الذي وصل اليه الفساد في بلادنا .
فقد طالت هذه الآفة كافة القطاعات الحيوية التي يرتكز عليها اقتصاد بلادنا وأضرت بالعديد من مؤسساتنا العمومية وجعلتها تعيش صعوبات لن يكون الخروج منها بالأمر الهين. ولكن الفساد لم يقتصر على الجانب المالي والاقتصادي بل امتد الى الادارة ومقوماتها ، كما طال الحياة السياسية حيث تحوم شبهات عديدة حول الأموال التي ساعدت الأحزاب في انتشارها وتنظيم حملاتها الانتخابية . فقد شهدت تلك الحملات مخالفات كبيرة وكنا قد أبلغنا عن العديد منها ولكن لم نر اي اجابة الى حد الساعة . ونعتبر أن المواطنين من شانهم كذلك ان يلعبوا دورا لا يستهان به في التبليغ عن العمليات المسترابة التي تثير شكوكهم او الحالات التي يكونون فيها بدورهم ضحية للفساد . ويجب ان يعلم التونسيون ان الإدلاء بشهاداتهم هو واجب وطني وان القانون الآن يحمي كل من توجه الى السلط المعنية وابلغ عن اي عملية فساد.
ولكن في الموقف الذي كنت قد عبرت عنه لمساندة هذه الحملة ، أكدت بصورة واضحة على ضرورة ان تكون كل مكونات الطبقة السياسية وخاصة أعضاء الحكومة والمقربين منها غير مشكوك في نزاهتم ومصداقيتهم . فذلك ضامن لقدرة الفريق الحاكم على الصمود امام الصعوبات التي من شانها ان تعرقل الطريق للقضاء على الفساد او على الأقل الحد من تفشيه . فمن غير المعقول ان يدافع مسؤول حكومي عن مبدأ النزاهة في حين يكون موضع شك ولديه قضايا متعلقة بالفساد تنتظر ان يبت فيها القضاء .
ألا تعتقدون ان القضاء لا زال يمثل الحلقة الضعيفة في هذه الحرب التي بدأنا نخوضها ضد الفساد؟
ان هذه الحرب على الفساد لا يمكن لها النجاح من دون ان تنخرط فيها السلطة القضائية بكافة اطرافها فالهيئات المستقلة والإجراءات الاستثنائية و التحفظية لا يمكن ان تدوم الى ما لا نهاية له كما لا يمكنها ان تلعب دور القضاء الذي يمثل الضامن الوحيد لمحاكمات عادلة تحترم فيها دولة القانون والمؤسسات. ولكن لنا ان نتساءل في هذه المرحلة التي تمثل اول الطريق في مقاومة الفساد عن مدى توفر الإمكانيات المادية والبشرية لدى القضاء لكي يخوض هاته الحرب بكل جدية وكل أريحية ، هل تتوفر الاليات التي تخول التنسيق الضروري بين مختلف السّلط وخاصة بين السلطة التنفيذية والسلطة ، هل ان الدولة وضعت التجهيزات والإمكانيات الضرورية لحماية القضاة وكافة المتعاملين مع قضايا الفساد الكبرى ؟ هل تتوفر الشجاعة الكافية اليوم في المنظومة القضائية لكي تضع الحرب على الفساد من بين
أولوياتها ؟ هنالك بعض المؤشرات الإيجابية التي تبعث فينا نوعا من التفاؤل بالمستقبل كمشروع بعث قطب مالي وقضائي يتعلق بقضايا الفساد من شأنه ان يسرع بالتقدم في البت في هاته القضايا ويجعل منها المحور الأساسي لنشاطه .
بعد الازمة التي عاشتها في الفترة الاخيرة الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات ، هل ما زلتم تعتقدون في إمكانية اجراء الانتخابات في موعدها المعلن من طرف اللجنة اي شهر ديسمبر من هذه السنة ؟
اولا اريد ان أشير ان السيد شفيق صرصار وكافة الفريق الذي اشتغل معه كانوا قد قاموا بعمل جدي وناجح في الاستحقاقات الانتخابية التي عشناها في السنوات الاخيرة
، وإذ تمر الهيئة بأزمة تبدو حسب التصريحات انها داخلية ، فذلك لا يجب ان يكون له تأثير على الروزنامة الانتخابية في بلادنا ، ونحن من موقعنا سنكون حريصين ان
تتم الانتخابات البلدية في ديسمبر 2017 . وفِي نطاق التحضيرات التي بدأنا القيام بها نطلق حملة وطنية عبر كافة مكاتبنا الجهوية والوطنية لتسجيل الناخبين في كافة
أنحاء البلاد اذ يجب ان نكون على وعي تام بالنسبة الهامة من المواطنين الغير مسجلين بالقائمات الانتخابية التي تناهز ال 40 ٪ من مجمل المواطنين الذين تفوق أعمارهم 18 سنة اي ما يقارب ال 3 2 مليون مواطن هذا الرقم نعتبره مفزعا خاصة اذا علمنا وحسب العديد من الدراسات ان هذا الرقم يشمل خاصة ناخبين ينتمون للعائلة التقدمية التي ان ارادت ان تقود المشهد السياسي في المراحل القادمة فعليها ان تتحرك وتقوم بالتعبئة الضرورية من هذا الخزان الانتخابي الذي لا يزال غير منخرط في الشأن العام . في هذه المرحلة التي تخوض فيها البلاد العديد من المعارك ومن أهمها الحرب على الاٍرهاب ، الحرب على الفساد والحرب على الفقر والبطالة ، تكتسي الانتخابات البلدية الاولى التي سيتم تنظيمها بعد الثورة والتي لا بد ان تكون نقطة الانطلاق لمرحلة جديدة ينخرط فيها المواطنون بكثافة في الشأن العام ويساهمون بطريقة فعالة في احداث التغيير الذي يجب ان تشهده ثقافة المواطنة في بلادنا .
يرى بعض الخبراء المحاسبون و لعل أبرزهم السيد صالح عمامو أن الأزمة التي تعيشها البلاد هي أزمة محاسبية مرتبطة بالميزانية . و دليل ذلك أن الخيرات و الخدمات معروضة في الأسواق و يقع تداولها و ليس هناك نقص أو عجز. ماهو رأيكم في ذلك؟
هنالك فعلا أزمة مالية في تونس ، وهنالك خاصة عجز دائم في الميزانية ، وهذا الوضع هو نتيجة العديد من العوامل وخاصة منها انخفاض المداخيل الجبائية الناتجة عن توسع القطاع الموازي الذي بلغ أرقاما قياسية في السنوات الاخيرة ، ولكن التهرب الضريبي لا يشمل القطاع الموازي فقط وإنما كذلك القطاع المنظم ، فحجم المعاملات المسجلة في تداول البضاعة بالسوق لا تقابله مساهمة جبائية من نفس القيمة . ولكن الازمة الاقتصادية التي تعيشها تونس لا تقتصر فقط على هذا الجانب وإنما تمتد الى جوانب اخرى وخاصة منها العزوف عن الاستثمار الذي سجل نسبا قياسية في الانخفاض . ويعود هذا التقلص في الاستثمار للازمات المتعددة التي عاشتها البلاد ، فقد تتالت الأزمات السياسية والأزمات الأمنية الناتجة عن العمليات الإرهابية وأهمها باردو وسوسة ، كما شهدت البلاد توترات اجتماعية متكررة عطلت الانتاج في العديد من القطاعات الحيوية وخاصة قطاعي المناجم والطاقة. كل هاته العوامل أدت الى انخفاض حجم الاستثمار والدخول في أزمة مالية واقتصادية حادة ومتواصلة ، خاصة وأن عائدات السياحة قد تراجعت بنِسَب شديدة الارتفاع ، كما زاد تقلص قيمة الدينار في حدة الازمة نظرا لما يصاحبها من ارتفاع في قيمة
فوائض الديون التي يجب تسديدها بالعملات الأجنبية . فكل هاته العوامل ساهمت في تعطيل نسق خلق الثروة بالبلاد وبالتالي تراجع المداخيل وتفاقم العجز في الميزانية