«الارهاب ظاهرة فينا هيئنا أساسها و غذينا ارضيتها»
تغطية: هاجر عزّوني ونجوى السايح
يحتل الارهاب اليوم حيزا كبيرا من اهتمام تونس و سائر دول العالم لما تشكله هذه الظاهرة من خطر جسيم على المجتمع بما يخلفه من ضياع للأمن و تدمير للممتلكات و انتهاك للحرمات، فالإرهاب اليوم لم يعد متحصنا بالجبال و المناطق الحدودية فقط بل اصبح يستهدف كامل تراب الجمهورية و اصبحت عملياته تكتسي جرأة تهدد كيان بلادنا و قيمنا و نظامنا الجمهوري.
فما الذي يجعل تونس تربة خصبة للإرهاب هل ان ظاهرة الارهاب ظاهرة متأصلة ام ظاهرة وافدة و وطارئة و كيف يمكن مواجهة هذا الخطر وطنيا و اقليميا و دوليا؟
هذه التساؤلات تمت الاجابة عنها خلال الندوة الوطنية حول الارهاب التي نظمها حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري يوم الخميس 10 ديسمبر 2015 بالعاصمة بحضور عدد من الخبراء التونسيين و الاجانب.
«الحرب على الارهاب فرصة لتدارك الثورة و تحقيق مقاصدها»
ليلى القلاّل
(المنسق العام للاتحاد الشعبي الجمهوري)
«العمليات الإرهابية أصبحت تتهدد كياننا وقيمنا ونظامنا الجمهوري»
الندوة الوطنية حول الارهاب هي الرابعة التي ينظمها حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري هذه السنة. وقد فرض موضوعها علينا ما تشهده بلادنا من تنامي خطر الإرهاب، وكنا قد عزمنا على تنظيمها يوم الخميس 17 ديسمبر إلّا أن الهجوم الذّي تعرضت له حافلة الأمن الرئاسي جعلنا نستحث الخطى ونستعجل تاريخها.
فالإرهاب لم يعد متحصنا بالجبال والمناطق الحدودية بل أصبح يستهدف كامل تراب الجمهورية. وأصبحت عملياته تكتسي جرأة تتهدد كياننا وقيمنا ونظامنا الجمهوري. مما يحتم علينا اليوم أن نتصدى له في كنف الوحدة وبعزم لا يعتريه التململ ولا يداخله الشك.
إن مواجهة الإرهاب حرب مصيرية فرضت علينا ولا سبيل لنا إلا خوضها. بل هي حرب تأخرنا في شنها لأن الحكومات السابقة رأت أن تتجنبها. ففوتنا على أنفسنا فرصة وأد الإرهاب وهو في المهد وأعطيناه مجالا ليشتد عوده وينظم صفوفه.
إن هذه اللحظة ليست لحظة محاسبة، فهذه سيأتي أوانها. ولكنها لحظة مصارحة وتدقيق وتمحيص، نحاول فيها قراءة ظاهرة الإرهاب قراءة صحيحة وأن نصوغ معا ما نراه من التدابير الكفيلة للتصدي له وللقضاء عليه.
كان من المفترض أن نجتمع جميعا تحت مظلة رئاسة الجمهورية بوصفها السلطة الحامية للنظام الجمهوري وللدستور والمؤتمنة على أمننا القومي. فإن تأخرت هي على ذلك لأسباب نجهلها فإن ذلك لا يعفينا من أن نضطلع بمسؤولياتنا الوطنية لأن أمن تونس مشاع بيننا والذود عنه دين في رقابنا.
وإن كان حزبنا المبادر إلى تنظيم هذه الندوة الوطنيّة فإن ذلك لا يعطينا لا شرف ولا فضلا خاصا. فنحن على يقين أن كلا منكم كان على استعداد أن يكون المبادر والمنظم، وكفانا فخرا وجودنا معا، وبحضوركم لم تلبوا نداء الإتحاد…. وإنما لبيتم نداء تونس المستهدفة وهي تستغيث بكم. عاشت تونس حرة منيعة مستعصية على كيد الكائدين.
لطفي المرايحي (الأمين العام للاتحاد الشعبي الجمهوري)
«التصدي للإرهاب … حرب اقتصادية أوّلا»
ما لبثت بلادنا تعيش على وقع العمليات الإرهابية منذ الثورة ونذكر حادثة الروحية التي راح ضحيتها المغفور له العقيد العياري وكانت هي بادرة هذه العمليات الإرهابية التي من حينها أصبحت وتيرتها في تزايد مفرط حتى تحولت اليوم إلى مشغل هام ومن أهم ما يشغل التونسيين ويؤرق حياتهم اليومية. وهناك إجماع حاصل لدى الرأي العام أنّ الحكومات المتعاقبة لم تتعاط مع موضوع الإرهاب بالجديّة المطلوبة وبالحزم الذي كان يستدعيه الموقف ولم تقدر على كبح جماح هذه الظاهرة. فتأخّر وتلكّؤ وتراخي هذه الحكومات في التعاطي مع الإرهاب فتح باب التشكيك والتأويل للنوايا إلى درجة نعت بعضها بالتواطؤ. وعندما أعلنا مرارا وتكرارا حالة الحرب على اثر كل عملية لكن دون جدوى مع غياب تام لإجراءات تطمئننا على مستقبل البلاد.
وأيا كانت اليافطات والفصائل التي يمارس باسمها الإرهاب في تونس إلا أن الثابت أن التنظيمات الواردة إلينا ما كانت لتنجح لو لم تجد أرضية محلية تتجاوب معها. فالإرهاب وإن كان يدين بالولاء لتنظيمات دولية إلا أنه يبقى في النهاية إرهاب محلي على اعتبار أنه يجند من أبناءنا من يخرب ديارنا.
ولعل هذه النقطة الأساسية التي تقوم على فهم أهليّة واستعداد شبابنا للتناغم والاستجابة للتجنيد بقيت من أهم النقاط التي وقع التغاضي عنها. وحين وقع تناولها نسبت إلى ضعف في الإدراك والمعرفة لدى من وقع تجنيدهم.
ونحن نعتبر في الإتحاد الشعبي الجمهوري أن فهم الدوافع التي تجعل شبابنا يتجاوب مع الاستقطاب الإرهابي هي العقدة التي تمكننا من تجفيف منابع الإرهاب. فالإرهاب قبل كل شيء ظاهرة فينا هيئنا أسبابها وغذينا أرضيتها.
فمن يرصد الخارطة الجغرافية للإرهاب يجدها تتماهى تماما مع خارطة الثورة التونسية. فذات الجهات وذات المناطق وذات الأحياء التي اشتدت على بن علي حتى أطاحت به هي ذاتها التي شقت عصى الطاعة على الدولة ورفعت في وجهها السلاح.
فالانتفاضة 17 ديسمبر 14 جانفي كانت دوافعها اقتصادية اجتماعية. خرج فيها شباب وشرائح انسدت أمامهم الأفق وسئموا الوعود الكاذبة والتسويف.
ولما تهاوى بن علي ظنت أن أبواب الأمل ستفتح لتحقيق آمالها وأحلامها. ولكنها سرعان ما أدركت أن الانتفاضة لم تعقبها ثورة وأن دار لقمان باقية على حالها. وأن المنظومة التي كان يقوم عليها نظام بن علي سرعان ما تشكلت من جديد ونظمت صفوفها.
فقفز من كان يتذيّل لبن علي والطرابلسية إلى الصفوف الأماميّة. وأصبح هؤلاء يديرون المشهد السياسي ويوجهون الرأي العام بفضل سطوتهم المالية وتوظيفهم لجانب هام من الإعلام.
كيف لأحلام الثائرين من الشرائح المحرومة أن تتحقق والبلاد لازالت تعتمد نفس المنوال الاقتصادي الذي كان سببا في تهميشهم. فباسم التبادل الحر وانخراط تونس في الاقتصادي العالمي اغرق أصحاب النفوذ المالي ممن استفادوا من التسهيلات والامتيازات زمن بن علي السوق بالمنتوجات الأجنبية مضيقين الخناق على مؤسساتنا التي أصبحت مهدّدة في وجوها فما بالك بقدرتها على التشغيل أو الاستثمار.
إن صنّاع الانتفاضة أيقنوا بفشل الثورة. كما أيقنوا أن المسار الديمقراطي تناقلته أكف صنّاع الرأي العام وتلاعبت به وكيفته أموال أغدقت بسخاء لا نعلم شيئا عن مصادرها ولا عن وجوه إنفاقها، فتلاشت أحلامهم وآمالهم. فكيف لا تتعاظم نقمتهم على نظام لا مكان لهم فيه. أي جمهورية هذه التي ينعم في ظلها البعض وتوصد أبوابها في وجوه الآخرين؟
في ظل هذه الصورة يصبح الإرهاب الامتداد الطبيعي لفشل الثورة. بل أن الإرهاب هو الابن الشرعي لثورة لم تتحقق.
وأن كل الآليات التي يمكن إقرارها لمجابهة الخطر الإرهابي لن يكتب لها النجاح إذا اقتصرت على التصدي الأمني له وغلفت على تجفيف منابعه بفتح أبواب الأمل أمام الشرائح المهمشة.
إن الإرهاب رغم كل المآسي المنجرة عنه يمكن أن يكون فرصة لتدارك الثورة وتحقيق مقاصدها.
فالإرهاب كما فرض علينا إعلان حالة الحرب لا بد أن يقودنا إلى توخي اقتصاد حرب قوامها التعويل على قدراتنا الداخليّة. مما يعني انتهاج منوال اقتصادي حمائي يحد من الواردات ويحيل الطلب المحلي على المنتوج المحلي. بذلك تحقق انتعاشة مؤسساتنا الوطنية وتتنامى قدرتها على الاستثمار وعلى التشغيل. وهكذا تصبح قادرة على استيعاب المعطلين عن العمل وتنفتح أمامهم أبواب الأمل في التشغيل وتحقيق الذات. ولن يجد حينها الإرهاب من يلبي نداءه أو يحضنه ويتجاوب معه.
وستفكك هذه المقاربة الاقتصادية اللوبيات المالية التي ترعرعت في ظل الفساد والإفساد وأثرت لحسابها الخاص دون أن تغنم المجموعة الوطنية شيئا يذكر. وهي اليوم تمثل عقبة أمام حياة سياسية سليمة بعدما أفسدها بالمال والإعلام الموظف، فبإزاحتها تفتح أمام بلادنا السبيل القويم للانتقال الديمقراطي الصحيح.
خالد عبيد (مؤرخ وأستاذ جامعي مختص في تاريخ تونس المعاصر)
«الاٍرهاب ظاهرة متأصّلة ام وافدة و طارئة»
في البداية يجب الانطلاق من معطى محوري و هو انه لا يمكننا ان نحا رب ظاهرة الاٍرهاب إلا من خلال وحدة وطنية حقيقية و ليست اسمية و يبقى دائماً الأهم ضرورة الابتعاد عن التجاذبات التي من شانها تفريق التونسيين .
ويبقى المعطى الأساسي هنا هو محاولة ان نفهم بعض الأخطاء التي قد تكون ارتكبت و من هذه الأخطاء يجب ان نتجاوز كي لا تتكرر مرة ثانية, فعندما نتحدث عن الأخطاء التي حدثت في الماضي البعيد او القريب فذلك لا يعني اننا نحاول ان نبتعد عن هذا الهاجس الاساسي و هي الوحدة الوطنية بل الغاية الاولى و الاخيرة هي محاولة ان نفهم حقيقة الاخطاء حتى لا تتكرر و حتى لا نرى مرة اخرى هذه الظاهرة تتمدّد اكثر فأكثر فقد صرنا نخجل من كلمة لماذا اصبحت تونس دولة مصدّرة للإرهاب؟ و حقيقة لا نجد الجواب المقنع لان هذه الظاهرة موجودة في تناقض تام مع ما يعتقده الاجنبي عن فكرة ان تونس هي بلد الثورة و الثورة التي من خلالها ستتحقق الديمقراطية.
في الواقع سننطلق من ملاحظتين أساسيتين الملاحظة الاولى تتمثل في حدوث ما نسميه بالرجّة فهناك رجّة ما حدثت بعد العملية الإرهابية التي استهدفت الأمن الرئاسي فهذه العملية الانتحارية شكلت نوع من الصدمة الحقيقية لدى المجتمع التونسي الذي كان يظن انه بمنأى عن حدوث مثل هذه العمليات في تونس. فعندما حدثت تساءل التونسي السؤال الذي أحدث لنا هذه الرجّة لماذا يقدم شاب تونسي على تفجير نفسه و قتل تونسيين اخرين؟
هذا السؤال الذي نحاول من خلاله ان نبحث عن الأسباب و الدوافع التي جعلتنا نصل في نهاية الامر الى هذا المشهد التراجيدي و المأساوي في تونس.
و الملاحظة الثانية تذكرنا برجّة 26 جانفي 1978 التي بقيت راسخة في الوعي
و الذاكرة الجماعية للتونسيين بقطع النظر عن دوافعها و هل هي مرتبطة بما قيل آنذاك و يقال باستقلالية المنظمة الشغّيلة او هي مرتبطة بمحاور حكم او هي مرتبطة بالاثنين معا؟
تكمن الصدمة هنا في ان المجتمع التونسي اكتشف آنذاك و الان ان سلاح التونسي قد صوب الى هذا التونسي الاعزل فكانت الحصيلة العشرات من الضحايا و الشهداء.
و لأول مرة يطلق رصاص تونسي على تونسي اخر في مظاهرات احتجاجية كان التونسي يظن ان هذه المشاهد هي مقتصرة فقط على الفترة الاستعمارية عندما قمعت المظاهرات الاحتجاجية للتونسيين بالسلاح و منها احداث 1938 لكن اكتشف التونسي ان الجيش الوطني سنة 1978 هو من اطلق الرصاص عليه و ليس الجيش الاستعماري.
و بالنسبة للأخطاء التي حدثت هي اخطاء حدثت لان هناك فكرة تقول ان الارهاب موجود من قبل, صحيح انه موجود بطريقة او بأخرى في لاوعينا الجماعي السحيق لكن عندما تسنح له الفرصة كي يبرز فبإمكانه البروز لكن المشكلة الاساسية هي
هل ان ما حدث بعد 2011 قبل فترة الترويكا و خلالها و بعدها ساهم في تفاقم ظاهرة الارهاب ام لا؟ و الاجابة هنا يجب ان تكون بعيدة عن التجاذبات السياسية وبعيدا عن كل حسابات ضيقة.
و هنا نحن نحاول ان نفهم ما حدث ما قبل الترويكا و خلالها و الآن لان الاخطاء لا تهم الترويكا فقط بل تهم كل الانظمة التي تعاقبت على تونس بعد الاستقلال لكن هل لدينا الجرأة و القدرة على ان نرى عيوبنا حقيقية؟ هذا السؤال الذي اتركه للحضور لمعرفة حقيقة التونسي الذي حين يخطأ يكابر و يعاند.
عزالدين عقيل (رئيس الائتلاف الجمهوري الليبي)
الالتزامات و الاستحقاقات الاقليمية و الدولية لتفكيك الارهاب في ليبيا
في البداية لابد من الاجابة على سؤال محوري و هو كيف تم الاتفاق على ان صارت ليبيا مركز كبير للتطرف في نفس الوقت الذي يصدر فيه معهد الدفاع الامريكي تقريرا يقول فيه ان نسبة الليبيين في الجماعات المتطرفة هي النسبة الاقل بين كل جنسيات العالم؟
من سلم ليبيا لمخالب الارهاب. لئن كانت سجلات العالم الحديث و تجارب اممه محشوة بحكايا و سير تورط القوى الكبرى بصناعة الجوع و الاجتياحات و الانقلابات و الاغتيالات و ادارة العنف و التوحش و فبركة الانتخابات و تزويرها لبلوغ اهدافها و مراميها , الا انها المرة الاولى حين نذكر الحالة الليبية التي يسجل فيها التاريخ تورط العالم رسميا بصناعة حرب اهلية مخبريه عبر ارادة اقليمية دولية مبيته و لم يوفر العالم ممثلا بأكبر قواه الاقليمية ثراءا و اخطر قواها الدولية قوة و نفوذا ركنا من اركان ضمان اشعال حرب اهلية صناعية بليبيا و ايصالها قصرا الى نقطة اللاعودة, الا جسده و اصل له بكل السبل و الوسائل و الاعمال .
و لقد بدأت تلك الصناعة الجديدة على المهارات العالية و التي قدر ان تكون باكورة انتاجها بنفخ مبكر بمنافخ دويلة اقليمية مشبوهة الدور على نيران بواكير مظاهرات ليبية شابة تطلع فتيانها لإصلاح و تغيير للأفضل لأحوالهم المعيشية و مستقبل بلادهم و ليس لبلوغ هذا المصير المرعب الذي دفعت اليه ليبيا عنوة و قصرا. و لأننا لم نتمكن لا من تعيين الوجوه التي تورطت في صناعة الحرب الاهلية في ليبيا و لا من تحديد طبيعة الالتزامات و الاستحقاقات المتوجبة على دول الإقليم و العالم تجاه ليبيا دون تحديد طبيعة الانتهاكات التي اصابتها منهم.
ان أسباب انهيار الدولة الليبية و اسقاطها المتعمد بين مخالب الارهاب و التطرف ستحمل ضمنيا وجوه الجناة و ملامح الطريق نحو السلام.
السبب الاول: مراهنة دويلة اقليمية بعينها عبر تحالفها مع جماعة ثيوقراطية سياسية مناضلة على وجوب المراهنة على اسقاط القذافي بالقوة و منذ اللحظات الاولى لظهور بواكير مظاهرات شبابية صادقة للتعبير على رغبة مشروعين للإصلاح و التنمية. و رفض تلك الدويلة و جماعتها لأي حل سياسي للازمة بسبب اعتقادهم الراسخ بتلقائية تأسيس اي حل سياسي بليبيا على استمرار حرمان الجماعة من المشاركة بالحكم و هي التي تريد ان تكون بديلا للحكم و الحكام بكل دولة من دول التغيير التي اطلق عليها تسمية دول « الشيخ ربيع».
السبب الثاني: كان اندفاع مجرم الحرب نيكولاي ساركوزي بجنون جيوش قوة عظمى نحو اشعال حرب اهلية صناعية بليبيا بنية استعادة شرفه الذي خسره امام القوى الدولية المناصرة للديمقراطية و النخب و القوى التحررية العامة العربية سبب مناهضته للثوريين ضد بن علي و مبارك, الى جانب رغبته الجامحة لإطفاء شهوة الانتقام من القذافي الذي استخدمه بطريقة مهينة.
السبب الثالث: قيام مجلس التعاون الخليجي بضغط مباشر من دولتين فيهما مازالا يشرفان حتى هذه اللحظة على ادارة و تأجيج حرب الوكالة الليبية بالمراهنة على الحل العسكري و التعجيل بالملف الليبي نحو المواجهة و التصعيد الى اعلى و اخطر المستويات.
السبب الرابع: تحول القوى الخليجية مجتمعة عبر مجلسهم الاقليمي الى قوة ضاغطة على الجامعة العربية لدفعها لاتخاذ اجراءات عاجلة و متشددة تؤسس لعزل القذافي عربيا بوقت بالغ الاهمية من عمر الانتفاضة الليبية لضمان دفعه للمزيد من التوتر و التشدد و الخطأ بالتوازي مع توجه مجهودات محمومة نحو كل الظروف لخروج الملف بأسرع وقت ممكن من الجامعة العربية الى مجلس الامن الدولي بسبب ضمان المندفعين نحو ذلك لوجود من ينتظرهم بمجلس الامن لنقل الملف الى أقضى درجات التصعيد و المواجهة و هو الامر الذي لقي ترحيبا من عمر موسى الذي بدأ هو الاخر بالتفكير في صعود عرش مصر و الذي لم يجد من سبيل لبلوغه في ظل تأخره المعيب في تأييد ثورة بلاده إلا عبر أساليب اظهار أقصى درجات التشدد و التطرف تجاه اي حل سلمي للازمة الليبية حتى و لو كان ذلك بإغراق شعب ليبيا بالعنف و التطرف و الدماء.
السبب الخامس: قيام الدول العربية مجتمعة تحت ضغوط الترغيب و الترهيب و بتحريض من دول الفيتو الغربية بدعم مباشر من ساركوزي و عصابته التي كان يقودها برنارد ليفي على تعجيل استخدام الحظر الجوي على ليبيا و استخدام القوة العسكرية لحماية المدنيين معززين ذلك التوجه بحملة عربية اعلامية بالغة الضراوة استخدمت فيها امكانيات ضخمة لدويلة العرّاب للإيحاء للشعوب العربية و الاسلامية بقرب فناء الشعب الليبي لو لم يلحق به بنجدة من صواريخ الغرب و بأسرع الآجال و هو ما تقوم به هذه الدويلة. و لقد لجأوا الى التكثيف من ذلك الايحاء لضمان تهدئة الرأي العام للشعب العربي و المسلم تجاه قيام صواريخ اجنبية مدمرة بقتل شعب عربي مسلم و تدمير مقدراته و تشريد جيشه و تحطيم منظوماته و اصوله العسكرية و هو ما تحقق لهم.
السبب السادس: جسده التحالف الاقليمي الغربي بدفع روسيا و الصين و لأول مرة بتاريخهم للتصويت بمجلس الامن نحو التخلي عن حذرهما الذي اشتهرا به تجاه الغرب عبر دفعهما بالغش و الخداع نحو تجاهل ممارساتهما لمسؤولياتهما الدولية تجاه حماية دولة ضعيفة من عواقب تدخل اجنبي غادر و مدمر لتصويتهما الايجابي الصامت على قرار التدخل دون مطالبتهما كما جرت العادة بتوفير ما يكفي من ضمانات و اليات تضمن عدم تكرار السيناريو العراقي و عدم خلق دولة فاشلة جديدة على ضفاف المتوسط و الدفع بشعب ضعيف نحو اهوال العنف و الفوضى.
و لقد اعتمدت الاطراف المتورطة بصناعة الحرب الاهلية بخداعها للروس و الصينيين على تقنيتين اثنين قامت الاولى على الموقف الذي صدر عن احد اخلص رجال القذافي و هو ممثله الخاص بالأمم المتحدة و الذي ما يزال الثمن و الدوافع و ادبيات اتخاذه سرا الى هذه اللحظة. لقد ادى ذلك الموقف الذي اتخذ بساعة عسرة ليلة التصويت على قرار التدخل العسكري الغربي بليبيا الى الجمع بين اطلاق صاحبه السياسي الليبي الشهير برصاصة الرحمة على الهجوم الطبيعي لبلاده و بين ضمان مطالبته شخصيا بحق الدخول لموسوعة قنيس للمواقف الفريدة و الأرقام القياسية باعتباره جاء بسابقة لم يسبق لها مثيل و لقد بلغت غرابة ذلك الموقف حد اعتبار وزير الخارجية سيرقي لافروف بان انقلاب سفير ليبيا على نظامه كان السبب الرئيس لإرباك الموقف الروسي و الصيني.
بينما اتخذت تقنية الخداع الثانية شكل عبارة لغوية دفع بها الامريكان و الانقليز الى قلب قرار التدخل العسكري بليبيا لتكون العبارة الرئيسية التي قامت عليها كل صناعة حرب اهلية في ليبيا و هي «اتخاذ كل ما يلزم من اجراءات لحماية المدنيين و لقد كشفت هيلاري كلنتون بكتابها خيارات صعبة عن قوة تلك العبارة و تأثيرها على كلأعضاء مجلس الامن الدولي و مضيفة انها كانت العبارة التي دفعتهم جميعا للتصويت الايجابي المباشر و الصامت.
فرنسوا برنارد هيوغي(مختص في الإعلام والإستراتيجية)
«الفقر حاضنة للإرهاب»
إنّ الإرهاب هو الأعمال التي من طبيعتها أن تثير لدى شخص ما الإحساس بالخوف من خطر ما بأي صورة ويكمن في تخويف الناس بمساعدة أعمال العنف وهو الاستعمال العمدي والمنتظم لوسائل من طبيعتها إثارة الرعب بقصد تحقيق أهداف معينة لأنّه عمل يخالف الأخلاق الاجتماعية ويشكل اغتصابا لكرامة الإنسان.
وكان الإرهاب عبر التاريخ عمل بيد الدولة حيث يقع إرهاب فئة معيّنة من المجتمع وذلك لشلّ أيّ عملية للثورة أو النقد لكن المعنى الحقيقي للكلمة انقلب تماما بما أنّ إرهاب الدولة بممارسة الضغط الشديد مما يخلق شللا من الخوف والتي تمر على المعارضين للدولة وقد كانت أول عملية إرهاب وقعت سنة 1977 من طرف امرأة قتلت بقتل أحد القادة السياسيين الذي ساهم في قهر الحركة الطلابية آنذاك لذا فقد أرادت معاقبته على جريمته من جهة ولإيصال رسالة من خلال أسباب فعلتها تلك.
وبالتالي فنحن نرى أنّ هناك طريقة إستراتيجية لمفهوم الإرهاب إمّا لإعدام الدولة أو لخلق دولة خاصة بمجموعة معينة كما حدث بأيرلندا أو من خلال الضغط على الدولة مثلا في إطلاق سراح بعض السجناء، فالإرهاب هو في علاقة مع الدولة.
كما يتصرّف الإرهابيون على أنهم جنود حرب وخاصة حرب الفقراء لكن ذلك بالنسبة لخصومهم، ولا سيما الدولة التي تريد أن تبقي احتكارها للعنف الشرعي، والعمل، واللجوء فقط إلى الجريمة بالجريمة.
ويكمن غموض الإرهاب في ازدواجية مقاصده، في بعده السياسي بالضغط على إرادة الفاعل السيادي، وتكون الحرب التي شنتها الجهات الفاعلة كفعل رمزي، ويمكن تشبيهه بشكل من أشكال التعبير الفظيع ولكن البليغ، كأن يشنّ الموت والدمار لإرسال رسالة تحذير، ويعرب عنه ب «دعاية الفعل».
الدعاية بالفعل أو الدعاية الإرهابية لا تهمل الجانب التنظيمي ولا تتجاهل الحاجة إلى بناء شبكات مواجهة للأسس القانونية ولكن الفرق الرئيسي هو أن في عقل الإرهابي أنّ الخلية الإرهابية هي منظمة مسلحة ومنتظمة ومتواصلة لها أفكار لتبرير العنف الذي بدوره يوضّح فكرة «يقول ما يفعل ويفعل ما يقول».
وبالتالي فإنّ محاربة الإرهاب غير مرتبط بمقاربة عسكرية وأمنية فقط وإنما من خلال فهم الظاهرة الإرهابية والتنظيمات «الجهادية» وإيجاد سبل لحماية الشباب من التطرف والتشدد من خلال زرع خطاب ديني يصل إلى الجميع ويكون قاعدة أساسية لهم.
إن «داعش» تمكنت من تجنيد أكثر من 27 ألف شخص من بينهم 1700 فرنسي وهو رقم جدّ خطير إذ أنّ هذا التنظيم يعمل وفق إستراتيجية أساسها المواقع الاجتماعية حيث أن الحرب الحقيقية يجب إدارتها بالمواقع الاجتماعية «الفايسبوك» و«التويتر» وبينت تقارير أنها الوسيلة الأكثر نجاعة في الاستقطاب والتجنيد.
كما أن «داعش» تعتمد على الإعلام في نشر توجهاتها من خلال تقنيات إعلامية هامة ومونتاج متطور لبيان أهمية عملياتها وضمان تحولها إلى أهم حدث في العالم وتملك إستراتيجية واضحة في اختيار مواقع تنفيذ مخططاتها من ذلك استهداف المواقع الثقافية من ذلك مسرح «باتكلون» ومتحف «باردو» إلى جانب اختيار الضحايا عسكريين أو سياسيين أو صحفيين من ذلك استهداف «شارلي ايبدو».
موساوي العجلاوي (خبير سياسي وأستاذ جامعي مغربي)
«الظاهرة الجهادية: مهارات عالية في الخطابة والتواصل ومخططات استراتيجية ارهابية»
إن تنظيم «داعش» كانت انطلاقته مع تنظيم القاعدة في بلاد النهرين ثم إلى الدولة الإسلامية في العراق ليتحول في 2013 إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» والتي ارتبط ظهورها كرونولوجيا بإحداث التوازن بين الصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وصراعات مذهبية (السنة والشيعة) وصراعات سياسية بين العربية السعودية وإيران، صراعات ساهمت في ظهور «داعش».
كما أن تشخيص الظاهرة «الجهادية» يكون على مستويين الأول يتمثل في قائد تنظيم «داعش» أبي بكر البغدادي والناطق الرسمي باسم التنظيم «أبي محمد العدناني» شخصيتان لهما مهارات عالية في الخطابة والتواصل وأتقنوا وسائل التواصل أما القاعدة الثانية فتتمثل في الجيوش المنفذة للمخططات الإرهابية لهذا التنظيم والتي تعمل وفق إستراتيجية هدفها نشر الرعب في العالم عبر خلايا محدودة العدد تقوم بما هو موكول إليها من مهام ثم تقع تصفية أعضائها أو التشهير بهم ثم ينتقل الدور إلى خلية أخرى.
وبالتالي فإنّ العقل المدبر لمخططات «داعش»، حيث عجز الجميع عن تحديده وان بعض الدول مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ظنتا انه موجود في بعض المقرات، هو أنها منظمة خطيرة جدا وتلك الجيوش التي انخرطت بها هي حطب لنارها خاصة بعد أن أصبحت تتحكم في مسارات السياسة الدولية من ذلك تفجيرات أنقرة ساهمت في تحول الخارطة السياسية ومكنت من كسر التقارب بين روسيا ومصر إلى جانب العمليات التي جدت بباريس فقد ساهمت في نجاح اليمين المتطرف في الانتخابات بعد أن سقط هولاند في الفخ من خلال خطاب يحث على سحب الجنسية والانتقام من المتطرفين وهو بالتالي يعيد خطاب اليمين المتطرف.
كما ساهمت تصدعات وأزمات سياسية بين الدول في تكوين هذه التنظيمات فبعد سقوط بن علي وغياب الدولة ومؤسساتها حلت محلهما «التنظيمات الجهادية» من خلال التواجد في الجهات ومساعدة الفقراء وترويج «خطاب تكفيري».
إنّ الوضع بتونس غير سيء كما يُخيّل للجميع لان تونس لها نخب ومجتمع مدني قوي ساعدها على تجاوز المشاكل وبناء نظام جمهوري برلماني بعيدا عن الطائفية. كما ستعمل تلك التنظيمات «الجهادية» خلال الفترة القادمة على ضرب الاقتصاد من خلال استهداف السياحة والقوى المسلحة لضرب الأمن ونجاح تونس مرهون في نوعية المصالحة المقبلة وإيجاد مرجعية دينية أساسية للجميع والاهتمام بمناطق الحدود ومواجهة أمنية مشتركة مع دول المنطقة والابتعاد عن سياسة التنافر وبناء السدود والخنادق التي ستشجع على التهريب الممول للإرهاب.
وردّا عن التساؤل عن الإرهاب في المغرب فإن المغرب لا يواجه تهديدا مباشرا من قبل تنظيم “الدولة الإسلامية”، المعروف إعلامياً بـ”داعش”، كون مخطط هذا التنظيم يستهدف المشرق العربي بالأساس وليس مغربه، داعيا السلطات المغربية إلى استقطاب وتأهيل العائدين من القتال في صفوف تنظيمي “داعش” و”جبهة النصرة”.
قد تكون هناك أخطار كما لكل الدول أخطار، وقد تكون هناك عودة لبعض الأفراد مع مخططات ربما لتهديد الأمن المغربي، ولكن على المستوى المتوسط أو البعيد ليس هناك تهديد للمغرب من طرف هذه الحركات.
أحمد صواب (قاضي إداري)
«القانون يتلخّص في ثلاث حروف «ه» و «ر» و «ب»»
من أسباب الإرهاب هناك ثلاث أسباب رئيسية تتضمّن نفس الحروف «ه» و «ر» و «ب»: إرهاب وتهريب وتهرّب.
أما من الناحية القضائية فالقاضي الذي سيُعنى بالإرهاب يجب أن يكون متمرّسا ومتمكّنا من صفات معيّنة كدرجة عليا في الخبرة والكفاءة والتحقّق من المواد القانونية وإمكانية المزج بينها لأن قانون مكافحة الإرهاب هو قانون عام وقانون خاص وقانون حول صندوق الضحايا وقانون حول إجراءات وصيغ في تنفيذ قرارات أممية ودولية في المجال.
بالإضافة، لابد لوزير المالية أن يتّخذ ثلاث قرارات في مادة العملة الصعبة وكيفية إدخالها وإخراجها وسقف الأموال الذي تتصرف فيه الذوات المعنوية.. وأنا أتساءل أين هذه القرارات بعد مرور قرابة الأربع أشهر إذ لم تصدر بعد.
إذ أنّ القانون عدد 26 لسنة 2015 المتعلق بمكافحة الإرهاب وغسل الأموال يحتاج إلى 6 أوامر ترتيبية حكومية من ذلك الفصل 67 المتعلق بإحداث اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب من ذلك أمر لتسمية أعضائها (19 عضوا) وأمر 2 حول التنظيم وسير أعمالها.
كذلك الشأن بالنسبة للفصل 119 المتعلق بلجنة التحاليل المالية من ذلك أمر لتسمية أعضائها وأمر ثان حول التنظيم وسير أعمالها.
إن صندوق التعويض الموجب إحداثه بمقتضى الفصل 82 والذي يتطلب أمرا ترتيبيا إلى جانب انه لا يمكن تطبيق قرارات أممية إلا تطبيق إجراءات وشكليات وسلطات يحددها القانون طبق أمر (الفصل 41). وفي ما يتعلق بالفصل 114 فان وزير المالية يحدد سقف توريد وتصدير العملة الأجنبية وهو قرار يتم بأمر من قبل وزير المالية وكان من الأجدر سن هذه الأوامر الترتيبية قبل المصادقة على القانون.
إضافة إلى ذلك الحد الأدنى من المنطق والسير العادي للمرفق العام بصرف النظر عن مستلزمات الحكم الرشيد تفترض أن تكون مشاريع النصوص جاهزة مع القانون.
إذا فهناك خلط كبير في تسيير الدولة وسياسة المشرع والسلطة الترتيبية.
كما أضيف أن التهرب الجبائي أيضا دخل في اللاّشرعية ليتحالف مع مؤسسات وأناس يعملون في اللاّشرعية والإرهاب والتهريب، لكن مع ذلك لا يجب معاقبة المناطق الحدودية لأنّ هناك تجّار صغار لابدّ لهم من العيش وحفظ كرامتهم دون اعتماد الأسلوب المتوخّى زمن «بن صالح» بالبدء بالتجار الصغار عوض الكبار، فلا ينجح التمشّي التعاضدي والاشتراكي إلاّ من خلال البدء بالبارونات. لكنّنا لا نعتمد إلاّ طريقة «إمساك السردين وترك الحيتان».