مند سنتين ونيف حاورت الدكتور خير الدين بالقروي.و أعترف أني لم اقتنع بكل ما قاله… والآن أعترف إني أخطأت في حق الرجل وتأكدت من صدق تحليله وعمق رؤيته وعقلانية حديثه. وها إني أعود لمحاورته معترفا له بأني كنت غير مقتنع بما حدثني مذكرا إياه بأني راجعت نفسي وكتبت «الرائعون» بتاريخ 22 نوفمبر 2013 بجريدة «الخبير» وخصصته بفقرة كاملة. وحين جلست إليه ابتسم بهدوء كعادته وشرعت في محاورته
-دكتور خير الدين طالعت الجزء الأول من كتابك «الوعد» تحدثت فيه عن طفولتك وهجرتك ودراستك ونضالك وذكرت فيه أن الدكتور منصف المرزوقي رجل تحترمه وتقدره وتنتمي إلى نهجه الفكري بل انك وضعت تلك الرسالة الرائعة التي أرسلتها إليه 1994 وهو في السجن تسانده فيها وقلت أنه صاحبي وكفى … قلت هذا وهو في منصب رئيس الجمهورية. هل مازال هذا موقفك منه وهو بعيد عن الرئاسة؟
– الدكتور : أنا قلت أكثر من ذلك. قلت انه صاحبي صدقا لأنه صادق وشريف وثابت وأصيل انه صاحب قضية إنسانية ونضال خالص. قلت انه صاحبي في أي مكان وعلى أي حال مهما كان موقعه ومركزه، انه صاحبي وكفى.
-إذا كتابك «حزب المواطنين الأحرار» كان يلخص أفكار منصف المرزوقي؟
– الدكتور : لا، ليس كذلك تماما ولكن الأفكار الإنسانية والمبادئ والفضائل ممتلك لكل الناس ومن حق الجميع أن يتبنّاها ويناضل من أجلها وينادي بها وهذه حقائق تشرف كل أصحاب المبادئ.
– دكتور: أنت رجل دارس ولك شهائد علمية من كندا وأمريكا وفرنسا وتستطيع أن تعيش في أي بلد تريد فلماذا اخترت العودة إلى تونس؟
– الدكتور: يضحك الدكتور ويقول: قادوا الشاعر إلى الجنّة فقال اه يا وطني . أنا عدت الى وطني حيث كان مولدي وفيه مدفني ، عدت حسب الوعد الذي وعدته للحاج عمر ابن الحاج عمر «والده». عدت لبلادي لأشارك في بنائها ولأقتسم رغيف الخبز مع أبنائها العمال والفلاحين. عدت لأكون في موقع ترضاه الحياة ويرضاه وطني ، عدت لأسدد الدّين الذي في رقبتي نحو وطني وشعبي.
– دكتور الآن احب أن اسألك عن بلادي وثورتنا ووضعنا الاقتصادي والسياسي والأمني أحب أن أسألك عن كل شيء يخص هذا الوطن.
– الدكتور : لك ذلك وسل ما تريد .
– كيف ترى وضعية البلاد سياسيا؟
– الحق أن الأوضاع السياسية ليست بخير وخاصة وضعنا الداخلي فنخبتنا السياسية حاكمة ومعارضة ومستقلة غير متكاملة ومتعاونة في خدمة الوطن وأنها تناصب العداء لبعضها وتتصيّد أخطاء بعضها وتسعى لمصالح حزبية وشخصية مقدّمة ذلك على مصلحة الوطن وهذا يؤزّم الحالة السياسية زيادة على قضية الارهاب التي أرهقت كاهل الوطن والشعب وعطّلت المسار الاقتصادي والهدوء السياسي.
– على ذكر الارهاب انه كلما تكاتفت الجهود الدولية ضده كلما انتشر وحقق اخترقات فكيف نفسر ذلك؟
– اني لا أنظر الى هذه الجهود صادقة في كثير من الأحيان. وخاصة في بعض الدول الغربية وإلا كيف تصبح مجموعة من الارهابيين يختبئون في جبال العراق الشمالية ، دولة ذات مساحة تتجاوز مساحة بريطانيا ولها نظامها وحتى عملتها ؟.وهذا سببه اختلاف نظرة الجميع للإرهاب . فهذا (داعش) كيان ارهابي يرفضه الجميع ويعاديه الجميع وفجأة نكتشف أن بعض الدول الغربية تسانده وبعض الدول الاسلامية تموله وتعتبره مجاهدا . وما تسمى اسرائيل ترفضها بعض الدول وتمتنع عن الاعتراف بها والتعامل معها في حين ينظر اليها البعض الاخر على انها دولة حضارية ديمقراطية حرة بل انهم ينظرون اليها على أنها في مقدمة الدول في كل المجالات. فالارهاب معضلة عصيّة عن التفاهم والاتفاق وهنا تكمن الخطورة فأنظر الى فرنسا ولبنان هذه الأيام فعملية «برج البراجنة» يكاد لا ينتبه اليها أحد ولم يندد بها أحد على خطورتها بل ثمة من صفّق لها . وأما عملية باريس فقد ندد بها الجميع ووقف العالم كله ضدها و الحال أن المنفذ واحد و الهدف واحد. انظر ماذا تفعل داعش في سوريا والعراق فيكاد لا يذكر اجرامها اطلاقا انظر الى حماس كيف تؤيدها دول وتتهمها الأخرى بالإرهاب . انظر الى تونس يقض مضجعها الارهاب انظر اليها كيف تعمم مفهوم الارهاب وخطورتها وتعتبره ارهابا مهما كان وفي اي مكان وجد غير مرتبطة بأي مصلحة إلا مصلحة القضاء عليها. هنا علينا أن نعترف أن تونس سيدة الجميع في مقاومة الارهاب.
– اذا انت متشائم دكتور؟
– الدكتور : نعم، سياسيا. فنحن في حاجة لمراجعة كل المواقف داخليا وخارجيا
– ووضعية البلاد اقتصاديا؟
– الدكتور : تونس بلد صغير واقتصاده غير قوي ومنتوجه العام متواضع ووضعه المالي مهتز وهذا يعرفه الجميع ولكن لا يعني أن البلاد في دائرة الانهيار بل ان مقومات النهوض الاقتصادي والتعافي المالي ومجالات العمل والتشغيل حاضرة بقوة . سيتعافى البلد بإذن الله بالاعتماد على أنفسنا وأرضنا وأصدقائنا وبرامجنا الحكيمة فتونس لا ينقصها شيء لتكون دولة مشهودا لها في كل مجالات الحياة علميا وسياسيا واقتصاديا وفنيا وهذا هو رأيي وقناعتي فنحن شعب مبدع ورائع لا ينقصنا إلا عزيمة المسئول وحنكة القائد والتحام الشعب
– على ذكر الإبداع والروعة ماهو شعورك وتونس تتحصل على جائزة نوبل؟
– الدكتور: تونس تحصلت على جائزة نوبل للسلام في شخص الرباعية والحقيقة أن كل فرد من الشعب يستحق هذه الجائزة فنحن شعب تفوقنا وأبهرنا العالم كله أما في ما يخص الرباعية فهي أهل لذلك، والأستاذ العميد «فاضل المحفوضي» وحده يستحق كل جوائز الدنيا فما بالك وهو يتصدر الرباعية المشهود لها بالإخلاص والنضال الشريف والحكمة العميقة ان الرباعية شرفت وطننا ورفعت رايتنا وأسعدتنا جميعا وكم يكون بودي لو أن رباعية أخرى تقف لخدمة الشعب في شأن المصارحة والمصالحة يعود خيرها على البلاد.
– طيب يا دكتور نعلم انك تدعو للمصالحة والمصارحة قبل ذلك. حدّثني عن هذا المفهوم
– الدكتور : يقول فقهاء القانون: الإصلاح أولا والردع ثانيا هما تاج القضاء وعلى هذا الأساس فأنا أنادي بكل قوة بالمصارحة الودية والمحاسبة السلمية وانهاض ضمائر الأخوة الذين نشير إليهم بإصبع الاتهام خطأ. تعال نصارحهم ويصارحوننا ونذيب بيننا وبينهم حاجز الخوف والاتهام سلميا ووديا وسنرى نتائج مبهرة ولا يعني ذلك اني اخلط الجميع في بوتقة واحدة فثمة من يستأهل العقاب والتحجيرو هم الذين اعتمدوا على بطش وسلطة فاسدة عبثوا بثروات الشعب وامتصوا دماءهم. هؤلاء لا أتحدث عنهم وهذا من شأن القضاء أنا أتحدث عن الذين زلت أقدامهم وأخطأ تقديرهم فمدوا ايديهم الى أموال الشعب . واخلطوا عملهم الصالح وجهودهم المتفوقة بأخطاء قابلة للتصحيح فهم قوة مالية هائلة وطاقة فكرية عظيمة هم في الأصل من أبناء الوطن والشعب وثرواتهم في خدمة الوطن فمصالحتهم بعد المصارحة فائدة لهم ولشعبهم .
– أعود وأسألك يا دكتور عن انتمائك الى حزب المؤتمر وانسحابك منه؟
– سأوضح لك الحقيقة الكاملة فيما يخص هذا الموضوع حتى يغلق الملف نهائيا أنا أولا كنت من السابقين للانتماء لهذا الحزب المناضل وقد ناضلت في صلبه ودافعت عنه وعن مشروعه وبعد انتخابات 2011 وبعد تأمل وتفكير عميق رأيت أن أنسحب في هدوء دون معاداة أحد ومع ذلك مازلت مؤمنا ببرنامجه وأفكار مؤسسه وأحترم نضاله. ومع ما يعتريني من ألم من تهميش وتحييد فاني مازالت على اتصال وثيق بالأخوة القيادين وخاصة بالدكتور منصف المرزوقي الذي ألتقيه في كل مرة ونتحدث بكل صدق وود .
– ولكن ما حقيقة تأسيسك لحزب جديد ما دمت على تواصل وتوافق مع إطارات حزب المؤتمر وقياديه؟
– الدكتور: في الحقيقة اني قررت تأسيس حزب والآن هو في طور الانجاز وسيكون حزبا سياسيا لا يعتمد إلا على الشعب ولا ينتمي إلا إليه
– اذا فأنت تؤكد انفصالك عن المؤتمر؟
– الدكتور: من جهة الانفصال فهذا شأن ستؤكده الأيام أما من جهة البرنامج والمشروع والفكر فهو حزب يعتبر نفسه رافدا قويا لحزب المؤتمر ليقيني الخاص وايماني بالمبادئ الرائعة للدكتور المرزوقي الذي اعتبر أفكاره خلاصة النضال الانساني الرائع.
– شكرا سيدي الدكتور …شكرا هل تعدني بجلسة أخرى نتحدث فيها عن أفكارك وسياسة الحزب الجديد؟
ابتسم الدكتور تلك الابتسامة الأبدية المرسومة على شفتيه وتمتم : أعدك ان شاء الله
حاوره نور الدين م م