المشروع المقدّم يبقى نظريّا ويفتقد الى الآليّات الضرورية لتطبيقه
من خلال ملتقى انتظم بضفاف البحيرة ببادرة من الغرف المشتركة التونسية الفرنسية والتونسية السويسرية والتونسية الايطالية والتونسية البريطانية والتونسية الالمانية حضر وزير المالية سليم شاكر لتقديم مشروع قانون المالية 2016، حيث أكد أنّ هذا القانون سيعتمد على ثلاثة محاور أساسية أولها تحقيق نسبة نمو تعادل 5ر2 بالمائة والمحافظة على نسبة تداين معقولة.
ويتمثل االمحور الثاني وفق الوزير في ضبط سعر 60 دولار للبرميل من النفط فيما يتعلق المحور الأخير بجعل معدل سعر صرف الدينار في حدود 1.970 دينار مقابل الدولار.
وبيّن شاكر أنه سيتم تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2016 إلى مكتب مجلس نواب الشعب يوم 15 أكتوبر 2015 كما أشار أن المشروع يحمل إجراءات خاصة بتعصير الديوانة التونسية. ويشمل مشروع تعصير الديوانة الذي سيتم الانطلاق في تنفيذه ابتداء من غرة جانفي 2016 المنظومة المعلوماتية ودعم اللامركزية من خلال تعميم الإدارات الجهوية للديوانة في كامل ولايات الجمهورية.
ويتضمن مشروع الإصلاح أيضا تطوير مهارات الموارد البشرية للديوانة عبر التكوين علاوة على اقتناء التجهيزات الحديثة لتسهيل عمل أعوان الديوانة خاصة بالموانئ ونقاط العبور.
وقال أن الهدف من هذه الإصلاحات هو تبسيط المعاملات مع هذا الهيكل وتسهيل عمل المؤسسات والشركات الناشطة في تونس والتقليص من الاداءات الجمركية.
وتتضمن هذه الإجراءات التخفيض من المعاليم الديوانية إلى مستوى 0 % بالنسبة لتوريد التجهيزات والموارد الأولية و20 % لبقية المواد.
وأضاف أنه سيتم العمل خلال السنة المقبلة على التخفيض من المعلوم على الاستهلاك الذي يتسبب في مشاكل تتعلق بالتهريب وتوسع السوق الموازية بالنسبة ل95 % من المواد الموجودة على مستوى السوق.
ويتضمن مشروع قانون المالية لسنة 2016 إجراءات لمكافحة التهريب والاقتصاد الموازى الذي بات يمثل حوالي 50 % من مجمل الاقتصاد والنزول بهذه النسبة إلى مستوى 20 %.
وينص المشروع في ما يهم الإصلاح الجبائي الذي انطلق منذ سنتين على اعفاء الأشخاص الذين يتراوح دخلهم السنوي بين 0 و5000 دينار من الضريبة على الدخل وهو إجراء كلف الدولة بين 400 و500 مليون دينار.
وشدد الوزير على أن الحكومة تطمح إلى إرساء منظومة بنكية جديدة وقوية بعد إتمام إصلاح القطاع البنكي مشيرا إلى أن مجلسا وزاريا سينظر قبل موفى أكتوبر 2015 في مشروع للقانون الأساسي للبنك المركزي ليتم رفعه لاحقا إلى مجلس نواب الشعب.
ونظرا لتفرّع هذه التصريحات واتّسامها بنوع من الضبابية فقد أثارت العديد من الانتقادات من مختلف الفئات فمنهم من اعتبرها بشرة خير وبعثة تفاؤل لما لصالح البلاد ومنهم من رفض بشدّة واحتجّ على ما قاله سليم شاكر لكونه كلام لا يخدم البلاد بل هو مجرّد ترّهات…
وفي هذا الشّأن توجّهت «الخبير» إلى عدد من الخبراء والمحلّلين الاقتصاديين لمعرفة تعليقاتهم حول هذه التصاريح المتعلّقة بالتنمية وتعصير الديوانة للنهوض بالمؤسسات التي من خلالها يكون النهوض بالاقتصاد التونسي وأهمّ اقتراحاتهم في هذا الغرض.
آرام بالحاج خبير اقتصادي وأستاذ جامعي
في اعتقادي أنّ الأرقام التي تم تقديمها كركائز أساسية لقانون المالية لسنة 2016 هي أرقام غير دقيقة و يصعب تحقيقها (ما عدا المتعلقة بسعر صرف الدينار مقابل الدولار). فتحقيق نسبة نمو تعادل 2.5% هي فرضية صعبة للغاية، خاصة و أنّ السنة الحاليّة سيكون النموّ فيها ضعيفا جدّا أو حتّى منعدما.
إنّ استهداف نسبة نمو محترمة يتطلّب تحقيق موسم فلاحي ممتاز، موسم سياحي محترم وعودة قويّة لقطاع حسّاس واستراتيجي وهو قطاع الصناعات الغير معملية.
إذا، في غياب كل هاته الاحتمالات على المدى القريب، وجب تقديم أرقام واقعيّة عوض التعويل على فرضيّات صعبة و اللجوء فيما بعد إلى قانون ماليّة تكميلي (مثلما وقع في قانون السنة الحالية الذي بُني على أرقام غير مدروسة بما فيه الكفاية).
الشيء الإيجابي و الذي يعطي بارقة أمل هو المنحى الإصلاحي المعلن في قانون المالية القادم. فأيّ قانون ماليّة يتمّ من خلاله المضيّ قدما في إصلاح وتعصير الديوانة، في مقاومة التهريب، في تدعيم اللامركزيّة وفي إصلاح القطاع البنكي هو قانون وجب تدعيمه و العمل على تفعيله.
ولكن يبقى هذا المشروع نظريّا و يفتقد إلى الآليات الضروريّة لبلورته. إلى جانب ذلك، يضع هذا المشروع معادلات صعبة أمام الدولة يمكن لها أن تعطّل مسار تفعيله وأن تؤجّل الإصلاحات الهيكليّة المنشودة. فتدعيم اللامركزية مثلا في قطاع الديوانة (مثلما جاء على لسان وزير المالية) سيطرح حتما ثلاث إشكاليات: الإمكانيات البشرية، الإمكانيات المالية والإمكانيات الوظيفيّة اللازمة لتحقيق هذا الهدف.
وهنا، لسائل أن يسأل:هل وقع التطرق لكلّ هذه الإشكاليات قبل الحديث عن اللامركزية؟ كيف السبيل لتوفير كل هذه الإمكانيات المكلفة لخزينة الدولة والحفاظ في نفس الوقت على نسبة تداين غير مشطة؟
من ناحية أخرى، يتجلّي البعد النظري (وغياب البعد المنطقي و التطبيقي) لهذا المشروع في استحالة تحقيق الهدف المعلن من طرف الوزير و المتعلق بالنزول بحجم القطاع الموازي من نسبة 50% إلى نسبة 20 %. فكلّ متتبع للشأن التونسي يعرف جيّدا صعوبة معالجة هذه الظاهرة و ضرورة اعتماد إستراتيجية متوسطة المدى لتحقيق أهداف هامة في هذا المجال. فلا التخفيض في المعلوم على الاستهلاك ولا النزول بالمعاليم الديوانية قادرة على القضاء على التهريب في غضون سنة واحدة. في هذا الإطار، وجب الاهتمام بتوفير كلّ التجهيزات اللاّزمة للمؤسسة الأمنية والعسكريّة والاهتمام بإشكاليّة مسالك التوزيع وتفعيل الرقابة في المناطق الحدودية كإجراءات استثنائية ظرفية لمقاومة هذه الظاهرة.
إذا يمكن القول بأنّ كل قانون مالية فعّال وجب أن يعتمد على فرضيات واقعيّة وأنّ يكرّس فعليّا المجرى الإصلاحي وذلك بالتناغم مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد. بالنسبة لقانون المالية لسنة 2016، يبدو أن كل المؤشرات تُظهر بأنّه وجب مراجعة العديد من الأشياء قبل عرضه على العموم و على مجلس نواب الشعب
جنّات بن عبد الله (أستاذة جامعيّة ومحلّلة اقتصادية)
بداية، ناسف أن يعلن وزير المالية عن نسبة النمو المنتظرة في السنة المقبلة، لأن ذلك من مهام وزير التنمية. ومن هذا المنطلق كان حريا بهذه الحكومة تنظيم ندوة صحفية مشتركة بين وزير المالية ووزير التنمية ومحافظ البنك المركزي للإعلان عن توجهات مشروع ميزانية الدولة لسنة 2016 ومشروع قانون المالية.
ما قام به وزير المالية من تفرد للإعلان عن توجهات مشروع ميزانية الدولة يكشف بوضوح عن انعدام التنسيق بين أعضاء حكومة الائتلاف وتفرد كل وزير بملفاته والحال أن الحوكمة الرشيدة تفترض التنسيق والعمل المشترك لتوفير شروط التنفيذ السليم والبراغماتي.
فالإعلان عن نسبة النمو المتوقعة يفترض الكشف عن سياسة هذه الحكومة على مستوى الاقتصاد الكلي والقطاعي والجهوي لفهم خطة الحكومة في إنقاذ الاقتصاد الوطني وهذا من مشمولات وزير التنمية المكلف اليوم بإعداد الوثيقة التوجيهية للمخطط والتي تعتبر أرضية أولى لبلورة منوال التنمية حيث نعتبر أنه أخفق في هذه المهمة، كما أن الإعلان عن سعر البرميل من النفط هو من مشمولاته أيضا حيث يفترض ذلك إعداد عديد السيناريوهات لمواجهة كل الاحتمالات، ونعتبر أيضا أن وزير التنمية قد فوت على نفسه إثبات كفاءته للشعب التونسي.
أما بخصوص سعر صرف الدينار مقابل الدولار فهذا من مشمولات محافظ البنك المركزي بامتياز المدعو للإعلان عن توجهات السياسة النقدية في المرحلة القادمة وفي غياب ذلك لا يمكن الحديث عن مشروع ميزانية الدولة.
وزير المالية أعلن عن الركائز الثلاث التي يقوم عليها مشروع ميزانية الدولة ومشروع قانون المالية وهي مسائل تتعلق بوزارات أخرى باعتبار أن دور ميزانية الدولة هو تحويل التوجهات والسياسات الى برامج ودور قانون المالية هو توفير مصادر التمويل.
من هذا المنطلق نفهم أن ما يتم الإعلان عنه هذه الأيام بخصوص مشروع ميزانية الدولة هو محاولة لسد الفراغ بعيدا عن تطلعات هذا الشعب في تحقيق استحقاقات الثورة التي داستها حكومة الائتلاف التي تتصرف وكأنها حكومة تصريف أعمال.
كما أن الحديث عن الإصلاحات ما هو في حقيقة الأمر إلاّ تنفيذ لالتزامات الحكومة تجاه مقرضيها وخاصة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذان وفرا التمويل مقابل تنفيذ برامج واضحة تأتي في سياق استكمال البرامج السابقة التي انطلق العمل بها زمن النظام السابق.
فبرنامج إصلاح منظومة الديوانة ليس جديدا كما أن إصلاح منظومة الجباية قد انطلق العمل على تنفيذه منذ العشرية السابقة،بالإضافة إلى أن إصلاح المنظومة البنكية لا يعود الفضل فيه للثورة ولا لهذه الحكومة ولا الحكومات السابقة فهو برنامج جاهز ينتظر التطبيق.
ومن هذا المنطلق، فان حكومة الائتلاف هي حكومة مكلفة بتطبيق البرامج والإصلاحات الجاهزة، وما يسوق له عبر وسائل الإعلام هو مواصلة للسياسات السابقة التي اتبعها النظام السابق لذر الرماد على الأعين وإقناع الأطراف المقرضة بأن هذه الحكومة هي تلميذ نجيب لكل ما توصي به.
بالعودة إلى نسبة النمو المتوقعة للسنة المقبلة فان وزير المالية لم يكشف عن السياسة الاقتصادية والسياسة القطاعية وسياسة المالية العمومية والسياسة النقدية التي ستساعد على تحقيق هذه النسبة، وبالتالي لا يمكن تحليل ما أعلن عنه وزير المالية ولا نقده لأن ما أعلن عنه يدخل في باب الارتجال.
محمد الظريّف دكتور وعضو بحزب آفاق تونس
إن الركائز التي انطلقت منها تهيئة قانون المالية 2016 تبدو واقعية إلي حد بعيد
فنسبة النمو المقترحة وإن تبدو مرتفعة شيئا ما فإنها ممكنة إذا توفرت الظروف الملائمة لذلك والتي تتمثل أساسا في الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي والرفع قي الإنتاجية وهذه الشروط تتطلب مواصلة التصدي للإرهاب والجريمة المنظمة وبسط سلطة الدولة علي كامل تراب الجمهورية ووضع حد واضح و صريح للإفلات من العقاب.
محاربة الفساد في كل القطاعات وعلي جميع المستويات فبدون مقاومة الفساد ستبُوء كل المقاربات بالفشل و يستحيل تماما بناء الدولة التي نصبو إليها جميعا الفساد حال وسيحول دون تحقيق أبسط الأهداف و الانتظارات وسيحبط جميع الأعمال وبقاءه مؤشر خطير إما على ضعف الإرادة أو على أكبر من ذلك
وإرساء مبدأ المساواة أمام القانون وهـذا يتطلب الإسراع باستكمال بناء المؤسسات الدستورية على غرار المجلس الأعلى للقضاء والمحكمة الدستورية وتكريس استقلالية القضاء على غرار السلطات التنفسية والتشريعية ومقاومة التهريب والتجارة الموازية والتعامل بجدية مع كل من يقف وراء هذه الظاهرة الخطيرة ويغطّيها ويدمر النسيج الاقتصادي ويكدس الثروات الطائلة على حساب الآخرين، ربط كل المفاوضات الاجتماعية بين الأطراف النقابية ومنظمات الأعراف والطرف الحكومي بالإنتاج وجودة المنتوج والرجوع إلى العمل بالاعتماد علي معايير موضوعية وعلى نتائج مرقمة مع تحسين القدرة الشرائية للمواطن الذي لم يعد يستطع أن يكتفي بالوعود.
الإسراع بجدية في القيام بالإصلاحات اللازمة على أن تكون تلك الإصلاحات بسيطة وغير معقدة قابلة للتنفيذ فورا وأهم هذه الإصلاحات تخص الضرائب والديوانة والبنوك والمؤسسات العمومية وخاصة الإدارة بعيدا عن الإطراء والمديح الكاذب المسموم بدون هذه الإصلاحات تبقي نسبة النمو المقترحة صعبة المنال خاصة وأن الركائز الأخرى المتمثلة في سعر البترول وسعر صرف الدولار خارجة تماماً علي تصرف الحكومة.
الاعتماد على سعر برميل البترول في حدود 60 دولار هو اختيار حذر ومهم وإن كان الأرجح أن يبقي سعر البترول منخفضا في حدود 50 دولار للبرميل وهو ما سيخفف الضغط على مستوى الدعم خاصة في مجال الطاقة ولكن هذا السعر سيكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد التونسي إذا طالت مدته .
إنّ سعر صرف الدولار في الوقت الحالي يشكل عامل انشغال والمتوقع أن يتراجع هذا السعر نحو الانخفاض مستقبلا، ولكن هذه الركائز الأخيرة لا يمكن التأثير عليها و يجب التعامل معها حسب تأثيرها.
الأهم في كل هذا هو أن الحكومة قامت بصياغة وثيقة توجيهية تمثل الإطار الأمثل وتحدد الملامح الرئيسية والمحاور الكبرى والهامة للمخطط التنموي 2016 2020 و تمثل هذه الوثيقة التوجيهية الإطار الطبيعي الذي يتنزل فيه قانون المالية المزمع. وقد حددت الوثيقة التوجيهية ملامح المشروع المجتمعي والمنوال التنموي البديل والمتمثل في: استكمال الإطار المؤسساتي، تحقيق الأمن والتصدي لظاهرة الإرهاب، دعم السلم الاجتماعية، إعادة الاعتبار لقيم العمل، بناء مقومات اللامركزية.
وذلك بالاعتماد علي المحاور التالية: الحكومة الرشيدة والإصلاحات، اقتصاد دولي محوري، التنمية البشرية والإدماج الاجتماعي، تجسيم طموح الجهات، الاقتصاد الأخضر ضامن للتنمية المستدامة.
قانون المالية سيعمل على تحقيق كل هذه الأهداف انطلاقا من السنة القادمة بنسق تصاعدي و وتيرة منتظمة.
محمد لطفي المرايحي دكتور وأمين عام الاتحاد الشعبي الجمهوري
يضعنا البعض من الذين يغلب عليهم التعاطف المفرط مع نداء تونس بأننا متحاملون على الكومة مبالغون في نقدها ومعطلون لأعمالها وانجازها.
فهل النقد يعطل الإنجاز وهل قيدنا بنقدنا أيادي الحكومة وأحكمنا وثاقها؟ وإن كانت حكومة الصيد لم يحن بعد أوان محاسبتها على نتائجها فإنه يحق لنا أن نحاسبها على توجهاتها. وقد كنا عبرنا من خطاب السياسات العامة الأول للصيد أنه يفتقد لمقاربة واضحة ورؤية شاملة. وهذه ما تبين لاحقا. ومشروع قانون المالية 2016 وما تسرب من خطوطه الكبرى وما وقع الإعلان عنه من وزير المالية ليس إلا دلالة أخرى على ما حصل عندنا من قناعة.
إذ تتجه نية الحكومة إلى إلغاء كل المواد والآلات المستوردة الضرورية للآلة الإنتاج من الأداء القمرقي، ويعد هذا الإجراء في حد ذاته قرارا هاما يسند مؤسساتنا في ظرف هي أمسّ الحاجة فيه إلى الدعم والسند ويضاعف من قدرتا التنافسية سواء على مستوى السوق المحلية أو على مستوى قدرتها على التصدير واقتحام أسواق خارجية. وطبعا ستتحمل المجموعة الوطنية النقص الحاصل في الموارد جراء هذا القرار. ولكن ما ضر في ذلك مادامت هذه الموارد التي سيفتقدها التونسيون في ميزانية الصحة والتعليم والقضاء والشؤون الاجتماعية ستصرف في سبيل دعم استثمار قادم وشغل مرتقب.
إجراء يسير في الطريق الصحيح نحو دفع الاستثمار والتشغيل والمؤسسة التونسية بصفتها العمود الفقري المعول عليه في دفع الاقتصاد.
أين إذا العيب؟
العيب في الإجراء الثاني القاضي بالتخفيض في الأداء القمرقي على السلع المستوردة حتى لا تتجاوز نسبة 20% . وتخفيض الأداء على الاستهلاك على 5% منها، بما يعني في المحصلة أننا نضاعف من القدرة التنافسية للسلع المستوردة في سوقنا.
هل يستقيم أن نحرم التونسيين من موارد قمرقية يعلم الله كم تحتاجها القطاعات الاجتماعية لتنشيط الإقبال على المنتوج الأجنبي ونسف الإجراء الأول الذي شكرنا سعيه لدعم المؤسسة التونسية.
طبعا تتحجج الحكومة بأنها بهذا الإجراء تقصد التصدي للسوق الموازية والتعريب والسؤال المطروح: أين تروج السوق الموازية منتوجاتها وأين تخزنها وكيف تدخلها للتراب التونسي؟ ألا تعطي القانون التونسي للدولة حق حجر هذه المواد التي نفتقد للتسلسل التجاري من مرصد وفواتير. وماذا سيكون وقع إتلاف هذه المواد على المهربين؟
إن الموضوع متعلق بوضوح الرؤية والإرادة السياسية وكلاهما في عداد المفقودين في حكومة الصيد التائهة.
هشام عجبوني خبير محاسب
لا أعتقد أن الاقتصاد التونسي بإمكانه تحقيق نسبة نمو ب 2,5% في السنة المقبلة و ذلك لعدة اعتبارات
أولا، تونس دخلت في فترة انكماش اقتصادي قد تطول و كل المؤشرات الاقتصادية في تراجع. و لولا الصابة الاستثنائية لزيت الزيتون وللتمور، لكان الوضع أسوأ.
ثانيا، شركاؤنا الاقتصاديون في أوروبا يمرّون بأزمة حادة و بالتالي ستنخفض المبادلات التجارية بيننا و سينخفض التصدير إلى أوروبا.
ثالثا، لا أحد في تونس يعلم ما هي الرّؤية الاقتصادية لتونس في الخمس سنوات المقبلة. الحكومة تتعامل مع وضعية استثنائية بآليات تقليديّة.
حتى المخطط الذي اقترحته الحكومة لفترة 2016-2020 يبقى مجرّد إنشاء في غياب آليّات التنفيذ و مصادر التمويل.
رابعا، الموسم السياحي المقبل سيكون كارثيّا باعتبار تداعيات العمليّات الإرهابية في متحف باردو و سوسة، و باعتبار فشل الحكومة في طمأنة الحكومات الأجنبية و وكالات الأسفار الأجنبية.
كما أنّ تردّي الخدمات السياحية نتيجة تخفيض الأثمان و الصعوبات المالية التي تمرّ بها المؤسسات السياحية سيُعقّد الوضع أكثر.
خامسا، من الصعب جدا أن تكون الصابة الفلاحية في سنة 2016 مماثلة للصابة الاستثنائية لسنة 2015 وبالتالي لا يمكن التعويل على الفلاحة للرفع من نسبة النمو في السنة المقبلة.
من ناحية أخرى، أعتقد أن سعر برميل النفط لن يتجاوز ال45 دولار في أقصى الحالات خلال السنة المقبلة و هو ما سينعكس إيجابيا على صندوق الدعم.
بالنسبة لإصلاح المنظومة الديوانية، علاوة على تعصير الإدارة و اقتناء التجهيزات الحديثة و التكوين، يجب تدعيم منظومة المراقبة و التصدّي لمنظومة الفساد داخل الديوانة.
التخفيض في المعاليم الديوانية قد يساهم في إعانة الصناعيين و في التخفيض من كلفة انتاجاتهم و في التقليص من التجارة الموازية و لكن لن يقضي عليها ما لم يقع التعاطي بجدية و بحزم مع أباطرة التهريب و مع المتواطئين معهم من الإدارة.
كما يجب حثّ المهرّبين على الدخول في الدورة الاقتصادية الوطنية الرسمية و ذلك بوضع إجراءات جبائية تفاضليّة و تنمية المناطق الحدودية التي يعيش سكانها على التهريب. إيجاد بديل تنموي أكثر من ضروري إذا أرادت الحكومة الحدّ من التهريب.
بالنسبة للإصلاح الجبائي أعتقد أنّه آن الأوان لتفعيله خاصّة و أنّ التصوُّر العام لهذا الإصلاح موجود منذ سنة 2013 و لكن غياب الإرادة السياسية هو الذي يحول دون تنفيذه.
ما يمكن ملاحظته أنّ الحكومة غير جادة في مكافحة الفساد وبعد ثمانية أشهر من تشكيلها ليس هنالك أيّ إجراءات عملية للتقليص من الفساد الذي ينخر البلاد و الذي يتسبب في خسارة نقطتي نمو سنويا، أي ما يعادل إحداث 30000 موطن شغل.
المهم الآن هو المرور من مرحلة الإنشاء و التصوّرات النظرية و التشخيص إلى مرحلة الفعل و الإنجاز و التعاطي بجدية مع المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
إنّ ما ذهب إليه مشروع ميزانية الدولة لسنة 2016 حيث أعلن وزير المالية أنّ نسبة النمو المنتظرة للسنة المقبلة ستكون في حدود 2,5% وهي نسبة أكثر من طموحة مقارنة بالنسبة المتوقع تسجيلها هذه السنة والتي تقترب أكثر من الصفر لنتساءل عن الوصفة السحرية التي ستقدمها سياسة المالية العمومية والسياسة الجبائية لبلوغ هذه النسبة في الوقت الذي تُواصل كل المؤشّرات مسارها السلبي حيث لم تفلح حكومة الائتلاف في تغيير الوضع أو الكشف عن رسائل قوية تؤكّد على إمكانية التغيير. بل إنّ الأمر أخذ منعرجا جديدا يمكن وصفه بالخطير باعتبار أن الطبقة السياسية أصبحت تتنافس فيما بينها لتلميع وتبرير ما وصلت إليه الأمور بل أكدت هذه الطبقة تطفّلها على المشهد السياسي والاقتصادي خاصة وهو التفسير الأقرب إلى الواقع حسب قول المحلّلين والخبراء الاقتصاديين وبعض المسؤولين السياسيين..
إعداد: هاجر عزّوني