الوكالة العقاريّة للسكنى هي منشأة عمومية ذات صبغة صناعية وتجارية أحدثت منذ 42 سنة ذات توجّهات إستراتيجية مستقبلية تحدّد عددا من الأهداف تتمثّل في: توفير الأراضي المهيأة والمعدة للسكن والمرافق العمومية، توفير الأراضي الصالحة للسكن لكافة الشرائح الاجتماعية ،المساهمة في المجهود الوطني في توفير الأراضي المهيأة الصالحة للسكن، مكافحة البناء الفوضوي، التحكم في أسعار الأراضي المهيأة والحد من الاحتكار في قطاع السكن، دعم مجهود الجماعات المحلية في إنجاز مخططاتها العمرانية، توفير التجهيزات والمرافق العمومية والشبكات والبنية الأساسية الضرورية في التقاسيم المنجزة.
إلاّ أنّ هذه الأهداف وتلك الصبغة العموميّة أضحت مهدّدة بالخوصصة، وهو ما أصبح يُؤرق المواطن التونسي نظرا لوعيه لمدى احتياجه الماس لهذه المؤسسة لما توفّره له من خدمات تعدّل أسعار مقاسم البناء.
ونظرا لكل الأسباب المذكورة أجرينا الحديث التالي مع السيد “الهاشمي بسباس” الرئيس المدير العام للوكالة العقارية للسكنى.
ما هي أهم انجازات الوكالة العقارية للسكنى في مختلف مناطق الجمهورية وكيف تقيّمونها؟
منذ إحداثها تمكنت الوكالة العقارية للسكنى من تهيئة حوالي 7000 هكتارا توزّعت على 360 تقسيما بكامل ولايات الجمهورية. كما تمّ إحداث 170.000 وحدة سكنية من بينها 60.000 وحدة مخصصة للسكن الاجتماعي أي ما يعادل 35.29% من منتوج الوكالة ولفائدة 850.000 ساكن.
ونشير في هذا الإطار إلى أنّ انجازات الوكالة شملت مختلف جهات الجمهورية وساهمت في تجسيم الأهداف المرسومة للقطاع وسمحت ببعث أحياء سكنية هامة تتوفر بها كل التجهيزات الأساسية والمرافق العمومية ووفّرت السكن لعديد من العائلات وخاصة منها الفئات الاجتماعية التي حظيت بنصيب وافر من هذه الإنجازات والتي شملت تونـس الكبـرى في الضاحية الشمالية والضاحية الجنوبية وتقسيمات داخل الجمهورية في سوسة، تقسيمات وصفاقس وقابس وقفصة والقيروان ومدينة تطاوين الجديدة.
*ما الذي يميّز تقاسيم الوكالة عن غيرها؟
تصدرت تقاسيم الوكالة طليعة المناطق الراقية بالبلاد إذ نجحت في إحداث نقلة نوعية بمناطق عديدة ظلت لسنوات طويلة (قبل تدخّل الوكالة) من بين المناطق غير المرغوب فيها وتكفي الإشارة هنا إلى جبل النحلي وكرش الغابة سابقا وهي المنازه والمنارات اليوم والتي أصبحت تتصدّر طليعة المناطق الراقية بتونس الكبرى بعد تدخل الوكالة، إضافة إلى تقسيم بومهل البساتين… ونفس هذا الدور لعبته الوكالة بكل من سوسة (سهلول مثلا) وصفاقس (ساقية الزيت) وسيدي بوزيد وباجة والكاف وجندوبة وقابس وقفصة والقصرين وتوزر…
*ما هو سر هذا النجاح؟
إنّ نجاح الوكالة في خلق أحياء سكنية في مناطق نائية سرعان ما أصبحت تصنّف ضمن المناطق والأحياء الراقية لم يكن صدفة، بل كان ثمار السياسات والآليات التي تنتهجها الوكالة في تهيئة المناطق في مختلف مراحل عملها، بدء بمرحلة الـبحث والتقصي أي ما قبل الإقتناء ومرحلة الدراسات.
ما هي البرامج والمشاريع المستقبلية للوكالة العقارية للسكنى؟
في إطار مساهمة الوكالة العقارية للسكنى في دعم البرامج الحكومية الرامية إلى النهوض بقطاع السكن وفتح مجال تدخلها في كل جهات البلاد وضعت الوكالة خطة إستراتيجية عملية واضحة لتلبية أكبر عدد ممكن من مطالب حرفائها، وذلك عبر مشاريعها المستقبلية (على المدى القريب والمتوسط والبعيد). وفي هذا الإطار أعدت الوكالة المقاسم الفردية المبرمجة حسب الولاية خلال الفترة الممتدة بين 2016-2020 والتي سيتم بمقتضاها بيع طيلة الخمس السنوات القادمة حوالي 21 ألف مقاسما فرديا موزعة كالآتي: 2407 مقسما سنة 2016 و4177 مقسما سنة 2017 و4949 سنة 2018 و4702 سنة 2019 4727 سنة 2020. أي بمعدّل يفوق الـ 4 آلاف مقسما في السنة تمسح كافة ولايات الجمهورية ويمكن الاطلاع على تفاصيلها لدى الوكالة.
إلى أي مدى يمكن أن تلتزم الوكالة بالتواريخ التي حددتها؟
الوكالة حريصة أكثر من غيرها بالالتزام بتواريخ انجاز وعرض المشاريع المذكورة على العموم. وفي هذا الإطار نشير إلى أن عمل الوكالة يرتكز بالأساس على إعداد أمثلة التهيئة التفصيلية والتقسيمات، والتي أثبتت التجربة طول إجراءات المصادقة عليها نظرا لتعدد الأطراف المتدخلة (المصالح المختصة بالوزارات، والجماعات المحلية والمستلزمين العموميين والخواص…) مما ينتج عنه تأخر في انجاز المشاريع.
وحرصا على ضمان الالتزام بتعهدات انجاز المشاريع المذكورة في التواريخ المحددة، (إضافة للعديد من المشاريع التي في طور الدراسة الاستشرافية)، ولتفادي سلبية طول الإجراءات قدّم خبراء الوكالة في هذا المجال جملة من الحلول والاقتراحات العملية في إطار مراجعة مجلة التهيئة الترابية والتعمير، نذكر منها التنقيحات التشريعية منها ما يتعلّق بالسيطرة العقارية، مثل اقتراح إضافة فصلا قانونيا ينص صراحة على اللجوء لآلية الانتزاع بصفة آلية بالنسبة للمساحات المخصصة للطرقات والمساحات الخضراء والساحات العمومية والمساحات المخصصة للتجهيزات العمومية بعد انقضاء أجل ممارسة حق الأولوية في الشراء، كما يكون آليا أيضا بالنسبة لبقية المساحات في صورة إثبات الوكالة لاستيفائها لجميع سبل التسوية بالتراضي…
ومنها ما يتعلّق بالمصادقة على أمثلة التهيئة التفصيلية والتقسيم والتي تتسم بطول إجراءات المصادقة عليهما، فقد تضمّن مقترح الوكالة تبسيط الإجراءات للعمل على تقليص الآجال والمتمثل في إدماج مثالي التهيئة التفصيلي والتقسيم في مثال واحد لتوحيد الوثائق والأمثلة اللازمة للحصول على مصادقة واحدة فحسب. وتحديد المدة القصوى التي تستغرقها كل مرحلة من مراحل المصادقة. إضافة إلى تفعيل الآجال القصوى بصفة تقديرية بخصوص إجراءات إبرام الصفقات المنصوص عليها بمنشور رئيس الحكومة عدد 64 لسنة 2012 المؤرخ في 6 ديسمبر 2012…
كل هذه المقترحات وغيرها تعمل الوكالة والجهات المعنية بكل جدية على تفعيلها وأخذها بعين الاعتبار في إطار تطوير المنظومة السكني بالبلاد
ذكر وزير التجهيز والإسكان في أكثر من مناسبة أن الوكالة لا تستجيب سوى لمطالب 10% فقط من مطالب حرفائها، كيف تعلّقون على هذا الرقم؟
فعلا وجدت الوكالة نفسها رغم كل الجهود التي قامت بها أمام معضلة رئيسية تتمثل في التباين بين كمية ما تنتجه وعدد المطالب المتزايدة، وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن الوكالة بعد تقييمها لإنجازاتها طيلة الـ 42 سنة وتحديد نقاط قوتها ونقاط ضعفها (والتي تتجسّد أساسا في الفارق الشاسع بين ما تنتجه اليوم وبين عدد مطالب الحرفاء وعدم قدرتها على الاستجابة)، حددت الوكالة توجهاتها المستقبلية التي تقوم أساسا على بعث أقطاب سكنية (خلق مدن سكنية متكاملة) بالقرب من المناطق التي تشهد ضغطا سكنيا مثل مشروع المبطوح بأوتيك ، إضافة للتوجه نحو السكن العمودي …
والوكالة تتطّلّع إلى إحداث أقطاب سكنيّة عصريّة مندمجة تأخذ بعين الاعتبار نسق تطوّر المدن ونموّها وذلك في إطار نظرة إستشرافيّة متكاملة تهدف إلى الاستغلال الأمثل للأراضي والإندماج العمراني لمختلف الفئات الإجتماعيّة.
كما حدّدت الوكالة أهدافا جديدة ترمي إلى الزّيادة في الإنتاج بتكثيف تدخّلاتها بالمناطق التي تشهد ضغطا عمرانيّا كبيرا وإعطاء الأولويّة للسكن العمودي المكثّف .
وتوجّهت عناية الوكالة إلى توفير مدّخرات عقاريّة جديدة وفق توجهّات الأمثلة التوجيهيّة للتهيئة الترابيّة والتّعمير وتراتيب مجلّة التهيئة الترابيّة والتّعمير تمكّن من تكوين مخزون عقّاري هامّ لمجابهة الحاجيات المستقبليّة من الأراضي و توفير الأراضي القابلة للتهيئة بالمناطق الداخليّة قصد استقطاب مواطني الجهة.
هل ما تزال الوكالة تلعب دورا محوريا في دعم المناطق الداخلية والسكن الاجتماعي؟
رصدت الوكالة العقارية للسكنى ما يناهز 13,067 مليون دينارا كإعتمادات إضافية في إطار مزيد دعمها للسكن الاجتماعي وخاصة المساهمة في تنمية المناطق الداخلية. وفي هذا المجال رسمت الوكالة خطة إستراتيجية للتدخل الاستثنائي لإنجاز أشغال التهيئة النهائية وذلك بالتنسيق مع السلط التنموية والبلديات المعنية، نذكر منها:
مساهمة الوكالة ماليا بتسخير 3.367 مليون دينارا وبوضع ما يفوق 34 هكتارا من المقاسم المهيّأة على ذمّة البرنامج الوطني للسكن الاجتماعي الذّي أقرّته الدّولة مع توظيف أثمان تفاضليّة للتفويت.
وضع على ذمة البرنامج الوطني للسكن الاجتماعي 559 مقسما موزّعة على 19 تقسيم بـ 10 ولايات.
رصد ما يناهز 5,2 ملايين دينار ككلفة إضافيّة للتدخل الاستثنائي لإنجاز أشغال التهيئة النهائية بـ21 تقسيم موزّعة على 13 ولاية (زغوان وبنزرت وأريانة وجندوبة والكاف وسليانة والقيروان والقصرين وسيدي بوزيد وتوزر وقفصة وقبلي وصفاقس…)، وذلك منذ 26 أوت 2011 موعد انعقاد مجلس الإدارة الذي صادق على هذه الاعتمادات الإضافية. وبناء على هذه المصادقة انطلقت إجراءات تجسيد هذه الاعتمادات.
كما رصدت الوكالة نهاية فيفري 2015 ما يناهز 4,5 ملايين دينار ككلفة إضافيّة ثانية للتدخل الاستثنائي لإنجاز أشغال التهيئة النهائية، استجابة لطلبات الجديدة للسلط المحلية والبلديات المعنية، (وذلك في الاجتماع الأخير لمجلس الإدارة الذي صادق على هذه الاعتمادات)، حيث تجسدت هذه الاعتمادات في إضافة أشغال جديدة أو إضافة مناطق أخرى ضمن قائمة التدخلات الاستثنائية في العديد من الولايات وهي الكاف وجندوبة وبن عروس وقابس.
هناك أيضا خلق لآلية تحقيق مبدأ “التمييز الإيجابي”: ففي إطار مزيد دعم السكن الاجتماعي وتطوير هذه الآلية وخاصة مساهمة الوكالة العقارية للسكنى في دعم المناطق الداخلية التي ظلت تعاني من التهميش والحرمان والإقصاء. وفي إطار مزيد دعمها لهذه المناطق بادرت الوكالة ومنذ سنة 2011 بالتفكير في إيجاد آليات جديدة لغرض توفير مقاسم بأثمان مقبولة لجميع الشرائح الاجتماعية مع ضمان التوازن المالي للمؤسسة، لذلك كلّفت مكتب دراسات مختص في هذا المجال وأكدت نتائج الدراسة إمكانية خلق آلية دائمة لتدعيم هذه المناطق وقدمت للوكالة آليات جديدة للتدخل في مختلف مناطق البلاد، والتجسيم الفعلي لما ورد بالفصل 12 من الدستور والذي ينص على مبدأ “التمييز الإيجابي”، إضافة لمبدأ التضامن الجهوي. وتتلخص هذه الآلية التي تعتزم الوكالة اعتمادها مستقبلا على تحمّل التقسيمات بالمناطق الميسورة جزء من تكاليف التقسيمات بالمناطق الداخلية ذات الدخل المحدود.
هاجر عزّوني
تصوير: عبد المجيد الثابت