في القريب العاجل جدا لم يسلم أحد من لسانه ونقده اللاّذع … حيثما حضر أو مرّ إلا وخلق الحدث حتى من لاشيء … وعندما تقدم حزبه حزب الانفتاح والوفاء إلى الانتخابات التشريعية في تسع دوائر أو عندما تقدم هو إلى الانتخابات الرئاسية لم يكن ربما يتصوّر أن المشهد السياسي قد تغيّر … ولم يكن يتصور أيضا أن تكون النتائج على هذا الشكل الذي باغت البعض وكان متوقعا لدى البعض الآخر …
ولعلّ أكثر الشخصيات التي نال منها بالنقد الشديد الباجي قائد السبسي رئيس حزب نداء تونس . وقد أكد في حوار سابق أجراه مع إحدى الصحف الأسبوعية أن « الإنقلاب على طاولة السبسي « وكان يقصد آنذاك ما حصل بعد بضعة أشهر لحكومة « الترويكا « التي أجبرت على ترك الحكم في الظروف التي نعرفها جميعا …
مرّة معها ومرّة ضدها ؟
ومع الباجي قائد السبسي ظل موقف السيد البحري الجلاصي من حركة النهضة وقيادتها متأرجحا بين الثناء أحيانا والنقد اللاذع أحيانا أخرى . ففي لحظات الصفاء أو الترتيبات السياسية التي تتطلبها المرحلة في وقتها كان البحري الجلاصي مساندا شرسا لمواقف راشد الغنوشي خاصة إذا كانت تلك المواقف ضد « خصوم البحري الجلاصي « من جميع الاتجاهات . وفي الأثناء أيضا كان « ينقلب « على الغنوشي وعلى حركة النهضة بأكملها ويبدي موقفه منها دون أدنى خوف أو تردّد… وهكذا كان البعض يقول إن البحري الجلاصي « نصف نهضاوي ونصف لا نهضاوي« …؟؟؟.
نتائج عادية ومقبولة ؟؟
وفي الوقت الذي كان البعض ينتظر فيه أن يواصل البحري الجلاصي ما اعتبرها « حربا شخصية « بينه وبين السيد شفيق صرصار رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وأن يشكك في نتائج الانتخابات التشريعية على الأقل فاجأنا البحري الجلاصي بالقول إن الصناديق أفرزت ما أراده الناخبون ثم أضاف قائلا :» بصراحة لم يفاجئني فوز الباجي قائد السبسي في هذه الانتخابات . فقد أظهرت الصناديق أن حزب نداء تونس يضم أكبر عدد من التونسيين الناخبين . وبالمناسبة أتقدم لرئيس هذا الحزب بالتهاني . وفي المقابل فقد عوقبت حركة النهضة ولم تفز بالمرتبة الأولى مثلما حصل في 2011 وقد دفعت ثمن الفشل في تسيير شؤون البلاد صحبة الحزبين اللذين تحالفت معهما وهما التكتل والمؤتمر الذين منيا بأكبر هزيمة في هذه الانتخابات …» .
الباجي رئيسا لتونس ؟
ويواصل رئيس حزب الانفتاح والوفاء حديثه فيقول : « أمام ما أفرزته صناديق الإقتراع ما علينا إلا أن نقبل بالنتائج وأن ننظر إلى المستقبل بعيون التفاؤل وليس بعيون الهزيمة التي لا تجعلنا نتقدم … اليوم عندنا واقع جديد وهو فوز حزب نداء تونس بالأغلبية … وهي فعلا أغلبية رغم ما يقال إنها نسبية . فهذه الأغلبية ستسمح له بتشكيل الحكومة الجديدة باعتبار أنه الحزب الفائز … ولا شيء في الدستور أو القانون يمنع من أن يكون الباجي قائد السبسي رئيسا للحكومة إذا أراد هو ذلك … ولا شيء كذلك يمنعه من أن يكون هو رئيس مجلس الشعب المنتخب إذا رغب في ذلك وباعتبار أن له الأغلبية في هذا المجلس …تبقى مسألة الرئاسة وهنا أقول بصفة واضحة وجليّة وهي أنني لا أرى أي مانع في ترشح الباجي قائد السبسي للانتخابات الرئاسية ولا أي مانع أيضا إذا ما فاز في هذه الانتخابات . وإني أقول هذا ليس تراجعا في مواقفا السابقة بل لأن التحليل المنطقي للمرحلة الحالية والمرحلة المقبلة التي تنتظر البلاد يحتّم أن نرى الأمور بمنطق العقل والعقلانية قبل كل شيء .وإني أرى اليوم أن البلاد في حاجة إلى رجل له مواصفات القائد الحقيقي … له الخبرة على تسيير الشأن العام باقتدار وقد برهن السبسي على ذلك قبل انتخابات 2011 . وفي هذه الحالة سوف يستعين بخبراء في الأمن لإعادة الأمن والاستقرار للبلاد وخبراء في الاقتصاد لإعادة الروح إلى الاقتصاد … وخبراء في السياحة وخبراء في الفلاحة … وغيرهم ممن سيعملون على النهوض بالبلاد وتغيير وجهها نحو الأفضل . وليس اليوم عيبا أن نعترف بأننا عشنا مع بورقيبة تحت راية حزب واحد وكذلك عشنا مع بن علي . ولئن كانت الظروف معهما غير الظروف التي نعيشها اليوم فلا شيء يمنع من أن يكون النداء مهيمنا في الظرف الحالي لكن بصفة إيجابية أي أنه سيضع كل ما لديه لبناء ديمقراطية حقيقية وبناء دولة جديدة سرعان ما تلتحق بركب الأمم المتقدمة … ولكل ما سبق ذكره أعيد القول إني لا أرى أي مانع في أن يكون الباجي قائد السبسي قائدا للبلاد أو رئيسا للحكومة أو رئيسا لمجلس الشعب طالما أنه قادر على الخروج بالبلاد من الوضع الصعب الذي لا يجب أن يتواصل..».
نصيحة للغنوشي
إني أنصح راشد الغنوشي الذي أعتبره هو الرئيس الفعلي للحكومة و الجمهورية و المجلس التأسيسي في الفترة الماضية و أن اخفاقه كان نتيجة تعنت مستاشيره و رفضهم قبول النصح , أني أنصحه بأن يؤيد ترشح الباجي و قد أثبتت نتائج الانتخابات الأخيرة أن بقية المترشحين أقزام .
إني أؤكد على ضرورة أن يتخلى الغنوشي عن علوّه و يتخلى عن مستشاريه الذين يفتقدون الخبرة سواء كانت في الميدان السياسي أو الاقتصادي إذ أن من صوّت للنهضة في 2011 خاب ضنه لأنه كان يضن أنه صوّت لحركة اسلامية تخاف الله لكنها انقلبت و صادقت على الفصل السادس الذي يجيز حرية الضمير و هذا ما معناه يجيز الشرك و الكفر فكان عقاب الله سبحانه و تعالى حينيا و تبعه عقاب كل اسلامي لقد عطلتني النهضة في مشاريعي التي كنت أخطط لتشييدها في تونس مع دول شقيقة و عمدت النهضة إلى تهميش رجال المال و الأعمال لكي تستقر البلاد . على الغنوشي الذي هرول إلى اجتماع باريس و لم يقصي التجمعيين أن يضع اليد في اليد مع الشرفاء من الأحزاب كحزبنا و بذلك يكون للنهضة مساهمة في اخذ القرار .
أما إذا لم يعي معنى هذه النصيحة فأقول له أن الباجي منتصر لا محال و رغم كل المشاركين و سيتمكن من جمع رئاسة الحكومة و رئاسة الجهمورية و البرلمان في يده و من المنتظر أن تقوم الإمارات العربية السعودية و الكويت بضخ أموال طائلة مثلما فعلت في مصر و بذلك يصبح سيناريو حل مجلس النواب و ملاحقة الغنوشي ملاحقة قضائية مفروضة على أرض الواقع .
أعيد و أقول للغنوشي احذر من مغبة مواصلة السير بهذه الطريقة لأن الرياح أصبحت ضدك و كما يقول المثل « بوس اللفعة و إلا طيح في البير « و ذلك بأنك أصبحت تجمعيا بامتياز و انقلبت على الثورة و الدين و تبرأت من الاخوان من دون ذلك فإن مصيركم السجن و من أنذر فقد أعذر.