احتفلت تونس أمس مع بقية بلدان العالم بعيد الشغل العالمي. وكان لافتا الإجماع الحاصل حول تدني قيمة العمل في بلادنا. وهو ما عكسته كل التدخلات تقريبا في الموكب الرسمي الذي انتظم بهذه المناسبة بإشراف الرؤساء الثلاثة وبحضور ممثلي المنظمات الوطنية، حتى وإن اختلفت التفسيرات وتباينت وصفات معالجة هذه الظاهرة التي لا تزيد فحسب من المصاعب الاقتصادية التي تمر بها البلاد، بل أنها بصدد التحول إلى قضية اجتماعية خطيرة أو «ثقافة» قائمة الذات.
مسألة تدني قيمة العمل أصبح يلمسها التونسي اليوم ويشتكي منها في كل مكان تقريبا، وتتعطل مصالحه بسببها ولا يستطيع أحيانا فعل أي شيء إزاءها. وتؤكد بعض الدراسات والإحصائيات تراجع الانتاجية والعزوف عن أداء الواجب المهني. والمشكلة أن إعادة الاعتبار للعمل كقيمة حضارية أساسية لتقدم الشعوب ورقيها لا يمكن أن تكون من خلال القوانين وحدها، ولا بضبط مقاييس للإنتاجية في كل القطاعات.. فبعض الأنشطة لا يمكن أصلا تحديد مقاييس للانتاجية فيها.
نحن بحاجة للوعي أولا وقبل كل شيء خاصة في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد بأهمية هذه القيمة الحضارية التي صنعت تقدم الشعوب وازدهارها، وكانت السبب الرئيسي في نهوضها من جديد على غرار ما جرى في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية وغيرهما من البلدان التي هي الآن بصدد إحراز تقدم مذهل بفضل جهود شعوبها وعملها وكدّها.
نحن بحاجة أكيدة أن نفهم أن بلادنا لن تتقدم ولن تتجاوز مشاكلها الراهنة إلا بالعمل.. وأن المستقبل يبنى بالسواعد والأفكار خاصة بالنسبة لبلاد لا ثروات طبيعية لديها مثل بلادنا، وأن خلاص بلادنا من المشاكل التي تتخبط فيها اليوم لا يمكن أن يكون إلا من خلال العمل والإنتاج أكثر، وخلق المزيد من الثروات حتى يتسنى توفير مواطن الشغل الجديدة للآلاف من الشباب المتخرج من الجامعات الذي يعاني من البطالة منذ سنوات.
إننا وللأسف نشهد تراجعا كبيرا لقيمة العمل أصبح معه المواطن يعاني أكثر فأكثر في علاقته بالإدارة، فضلا عن تدني الخدمات العمومية في أكثر من مجال حيوي بسبب العزوف عن أداء الواجب المهني. كذلك تشهد بلادنا تفشي عقلية الربح السهل وتزايد أعداد رافعي شعار الجهد الأدنى ومحترفي المطلبية الذين لا يقدرون أيّة مصلحة غير مصالحهم الذاتية الضيقة.
ومع ذلك فإن الآلاف من أبناء تونس يظلون جديرين بالتحية والاحترام في هذه المناسبة. أولئك الذين يشقون وهم يلاحقون لقمة العيش ليلا نهارا بكد جهدهم وعرق جبينهم، ولا يقع أحيانا إيفاء الكثير منهم حقوقهم كاملة. فتحية لكل هؤلاء في عيدهم. فبفضل أمثالهم ستواصل تونس مسيرتها رغم المصاعب والهنات.
التونسية