هو موضوع مؤتمر عربي تم تنظيمه في تونس أيام 18 و 19 مارس بفندق جولدن توليب المشتل تحت إشراف الثلاثي : شبكة ابن رشد للدولة المدنية، منتدى نور من أجل جمهورية جديدة وتجمع العراق 2020– بحضور مفكرين و سياسيين من دول عربية و غربية منها مصر – العراق – ليبيا – لبنان و السودان، إلى جانب ممثلين عن جمعيات تونسية و منظمات غير حكومية و ممثلين عن المجلس الوطني التأسيسي : فاضل موسى – لبنى الجريبي – أمال عزوز و نعمان الفهري التي تمحورت تدخلات في الجلسة الافتتاحية حول تأثير الدستور التونسي الجديد على تأسيس الدولة المدنية و عملية إدماج الصفة المدنية للدولة قبل و بعد الثورة و كذلك أهمية المجتمع المدني في مراقبة العملية البرلمانية.
و في افتتاحية المؤتمر ذكر دستور 1959 أن الدولة يجب أن تكون مدنية وديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان و الحريات. على سبيل المثال، تنص المادة 3 على أن الشعب التونسي هو ذات سيادة، ونصت المادة على أن الدولة التونسية دولة القانون التي تحترم مبدأ التعددية… ولكن ماذا عن الواقع اليوم … بعد الثورة ؟ ظهور عناصر الدولة المدنية ، حتى في غياب الدستور . من خلال انتخابات 2011 التي حققت سيادة الشعب في اختيار من يحكمه. ثم هناك التداول السلمي على السلطة، بعد نشر نتائج الانتخابات. نفس التناوب التي وقعت في أوائل عام 2014، حتى في غياب الانتخابات.
أما السيد نعمان الفهري ، النائب من حزب مسار عاد في الوقت نفسه على دور المجتمع المدني في مراقبة عمل البرلمان . «لا يوجد حكم القانون دون مجتمع مدني نشط وفعال. المجتمع المدني هو واحد من الضامنين الرئيسية للممارسة السليمة في البرلمان ، ومنع عرقلة … علاقاتنا الجيدة مع المجتمع المدني هي دليل على أنه قد لعبت دورا ايجابيا لحمايتنا من الفشل و الانحراف وقال انه حتى … إذا كنا لا نتفق على كل تقييم ، ونحن نتفق على النتيجة.» «
انتظمت التدخلات في شكل 4 لوحات :Panels .
اللوحة 1 : مقومات الدولة المدنية :
تطرق المتدخلون خلالها إلى مقومات و وجوب إرساء الدولة المدنية في مجمل شعوب منطقة الشرق و شمال إفريقيا و دعوة حكومتها إلى بناء صرح مدني يتعايش تحت سقفه جميع المواطنين بكل فئاتهم الاجتماعية، الاقتصادية، الدينية، الطائفية و الفكرية يتسم بقيم و مفاهيم حقوق الإنسان و الديمقراطية و التنمية المستدامة بعيدا عن المشاحنات السياسية و الهيمنة في كنف التسامح و المساواة. يكون ذلك عبر التشريك الفعال للمواطنين في جميع مراحل البناء الديمقراطية التشاركية اعتبارا من تشريع القوانين و التأكيد على مبادئ الحوكمة الرشيدة و ضرورة تقنينها دستوريا و تشريعيا.
اتفق المشاركون على أن تنص الدولة المدنية على استقلالية الهيئات المشرفة عليها مرورا بعمليات التثقيف و المراقبة لضمان شفافية ونزاهة الانتخابات.
اللوحة 2: الدولة المدنية و الديمقراطية:
تعرض فيها المتدخلون تجارب متعددة للدول التي شهدت ثورات مثل مصر و ليبيا و طرحوا مقارباتهم المختلفة في إرساء الدولة المدنية و رسم السياسات العامة في بناء الديمقراطية التشاركية. كما ركزوا على دور الشعوب العربية في مساندة بعضها البعض من أجل تحقيق تطلعاتها و بلوغ أهداف ثوراتها و ضرورة تنسيق الجهود لتأييد مشروع الدولة المدنية وفقا للمعايير التالية:
– تعزيز العملية الديمقراطية في دول الشرق الأوسط و شمال إفريقيا عبر تمكين المواطنين من المشاركة الفاعلة في جميع مراحلها.
– التأكيد على مبادئ الحوكمة الرشيدة و سنها في الدستور و التشريع.
– تعزيز السلم الأهلي و العمل على فض النزاعات على المستوى المحلي و الإقليمي و الترويج لثقافة الحوار باعتبارها جزءا هام جدا من أركان الدولة المدنية.
اللوحة 3 : الحوكمة و السياسات العامة :
أبرز التدخلات في هذا الشأن كان للسيد الصغير الزكراوي أستاذ بكلية الحقوق بتونس إذ عرف في تقيد أكاديمي الحوكمة مثال تداولته المؤسسات المالية العالمية. للحوكمة مفاهيم متعددة فهي : Polysémique وهي أيضا «une notion attrape tout ». و يتغير مفهومها من بلد إلى آخر مثل فرنسا و الذي يعني تعصير الدولة واللامركزية.
كما عرف المحاضر الحوكمة على أنها آلية ليست محايدة لأنها تحمل شحنة إيديولوجية وراءها مرامي إذا ما ربطناها بالمؤسسات المالية العالمية كصندوق النقد الدولي. كما هي محاولة لإعادة التوازن بين السلط الذي إنخرم في بعض الدول و كن الهدف منها إعادة تأسيس الدولة الحديثة. تعني الحكمة أيضا شكل من أشكال الرقابة الإجتماعية وهو مفهوم جديد و مبتكر ظهر في تقرير البنك الدولي مخصص للدول النامية التي تتسم بالفساد المالي. تتسم الحوكمة أيضا في مفهومها الحديث بالمشاركة في إدارة الشأن العام و رسم السياسات العامة المالية و الإقتصادية، القضائية و البيئية و تسهم في تحديد الخيارات الكبرى و القضاء على عهد الفوقية و التعجرف في الحكم. بل و تدعم المقاربة التشاركية كمثال بعد الثورة في رسم السياسات العامة الجبائية و المالية.
اللوحة 4 : دور الإعلام ووسائل الاتصال و التواصل في الدولة المدنية :
شهدت في مقدمتها تدخلات بعض الشبان المنضوين تحت جمعيات أو بصفتهم مدونين أثناء الثورة إذ عرضوا تجاربهم في توضيف تكنولوجيا المعلومات في خدمة الثورة و الديمقراطية. نذكر بالخصوص جمعية OpenGov و TuniVote و Marsad.tn (بوصلة) لأميرة اليحياوي التي تولت طرح دور جمعيتها في مراقبة أعمال المجلس التأسيسي و نوابه أثناء كتابة الدستور.
و بخصوص دور الإعلام أكد المحاضرون على مبدأ الشفافية و حق الوصول إلى المعلومة و المشاركة في صناعة القرار و المسائلة و المحاسبة القائمة على مبدأ «لا أحد فوق القانون». و بالرجوع إلى دور الإعلام و مؤسسات المجتمع المدني التي تلعب دورا حيويا في تطبيق هذه المعايير من قبل السلطتين التنفيذية و التشريعية. أبرز السيد زهير مخلوف في تدخله دور الإعلام المركزي في ترسيخ البنية الثقافية للدول و تحديد السلم الأهلي، توجيه الرأي العام التوعية الصحية، الكفاح و النضال و الرقابة على الحكم و صناعة الرأي العام العالمي.
أما السيد المختار اليحياوي و هو قاضي فقد تناول بالتحليل الصراع بين وسائل الإعلام و الأنظمة الاستبدادية التي تستعمل الإعلام لتلميع صورتها .الإعلام أيضا هو عامل أساسي في قياس الواقع السياسي و فضح الفساد و الرشوة وأن حق الوصول إلى المعلومة يجب أن يقوم من خلال قوانين تسهله.
إعلام الثورة أو ثورة الإعلام ؟
هل استطاع الإعلام الحديث أي بعد الثورة أن يصنع ثورة حقيقية و يغير المجتمعات ؟ هل سيقود الإعلام مؤسسات المجتمع المدني أم العكس ؟؟
أسئلة طرحت أثناء النقاشات التي كانت ثرية بالمقترحات و الآراء من عديد الحاضرين.و لكن الرد على هذه الأخيرة بقي معلقا إذ أختتم المؤتمر بتلاوة توصيات جلسات العمل وتوقيع القانون الأساسي للشبكة العربية للدولة المدنية.
ربما تكون هذه التساؤلات محور مؤتمر أو ندوة لاحقة ينظمها المجتمع الإعلامي؟