المؤسسة ليست هي المؤسسة و
لكن الرجل الذي يقف وراء المؤسسة
و المؤسسة شبيهة السفينة تماما لا
بدّ لها من ربّان عارف بالبحار و
الابحار، قادرة على توجيه السفينة
و إدارة الدفّة و تنظيم الملاحين و
توعيتهم و الشّد من ازرهم و السهر
على راحتهم- هذا هو الربان الحق
و هذا رجل البحار و الابحار الماهر
الجدي- و أبرز مهامه و أهمها أن
يقف وقفة جادة و عاقلة في وجه
الأحداث التي تفاجئه أو تعترضه-
هنا يبرز دوره الخطير و موقفه
الحازم و إرادته القوية و تدبيره
الحكيم.
هذا هو الرّبان الماهر الذي ينجو
بسفينته و ينجو بمن فيها و ما
عليها و يرسو بها في موانئ البرّ
و السلامة: ثم يجدد صيانتها و
يراقب حالها و ينطلق بها من جديد
معتمدا على تجربته الكبيرة و
معرفته العميقة و درايته بالبحار
و أسرارها.
هذا هو ربان السفينة و هذا هو
رجل المؤسسة المسؤول الحكيم
الذي يستطيع باقتدار أن يحصّن
مؤسسته و يسيّرها بحكمة و
رصانة-
ما دفعني إلى هذه المقدمة إلا
ما عشته أيام 6 و 7 و 8 نوفمبر
من توتر متصاعد على مستوى
النقل العمومي- و الاضراب الذي
حصل أثناء هذا الحدث و امتد حتى
بعض المقرات الخاصة باتحاد
عمال تونس- و بعض محطات
التنقل و التهجم العلني من طرف
بعض الناس على المجموعة التي
أضربت.
من منخرطي الاتحاد- بل
وصل الأمر إلى الاعتداء بالعنف
على أحد الأشخاص المنتمين إلى
الاتحاد- ممّا استوجب نقله إلى
المستشفى- و أصبح التوتر سيد
الموقف و الغضب سمة الكلام و الرد
عليه- بل لا أخفي سرّا إذا قلت أن
بعض مناضلي اتحاد عمال تونس
كانوا يستعدون للوقوف في وجه
من يتحدّاهم و يرفع صوته في
وجوههم.
اختلطت الأمور و احتقنت الحالة
إلى درجة الغليان…
لحظتها-لحظتها حضر الرجال
و وقف العمالقة و تكلم الحكماء-
لحظتها تماما- وقف الأخ الأمين
العام اسماعيل السحباني وقفته
العظيمة و تكلم برصانته المعهودة
و حكمته الأبدية و هدوئه المطلق و
تكلم في الناس- الحقيقة الساطعة
أنه كان يطرز حكما و مواعظا يتحدث
بسلاسة وراحة- و طمأنينة فائقة-
مستهلا كلامه بتحية الحاضرين و
تحية العاملين و تحية الصادقين
من المناضلين كافة- لم يستثن احدا
من كل المنظومات- لم يهاجم احدا
و لم يدافع عن احد و لم يحابي في
حديثه و لم يذكر بشرا واحدا من
الغائبين بسوء و لم يجامل أحدا-
من الحاضرين- كان كل كلامه
موجها للجميع بالمحبة الصادقة
و الود الخالص. كان حكيما هادئا
بعث في أرواح الحاضرين اطمئنانا
و هدوءا و جعلهم يرتاحون للموقف
و يتجاهلون كل ما جرى و تم أثناء
الاضراب-
و رغم ان بعض الحاضرين
كانوا قد حضروا للتهجّم و التهديد
الذي وجّه إلى بعض أفراد المكتب
التنفيذي- اقتنعوا بحديث السيد
الأمين العام- و قد صفّق الجميع
حين قال بثبات و هدوء:
اتحاد عمّال تونس ليس من
طبعه أن يضرب و لكن من قدرته
أن يتوقّى الضربة.
هذا هو الموقف الإيجابي و الرأي
السديد و هذه هي الحكمة و الرصانة
التي يستطيع بها الأفذاذ ان يقودوا
بها مؤسّساتهم و منظماتهم و حتى
دولهم و شعوبهم- هؤلاء هم الذين
يقفون في وجه الرياح و العواصف
فيقاومونها بحكمة و دراية- هؤلاء
هم الذين تعتمد عليهم أوطانهم و
شعوبهم هؤلاء هم الثوابت التي لا
تنكسر و لا تضعف. فبهم وحدهم
و بأمثالهم يصعد البلد إلى الاعلى،
و ترتقي شعوبهم إلى المراتب
العليا-
كان كبيرا و عظيما- محقا في كل
أقواله صادقا في كل كلامه كان اكبر
من الحدث آخذا بناصيته قادرا على
تهدئة الوضع و إطفاء الغضب- و
كان اكبر حين عرّج على الاتحاد
العام التونسي للشغل فذكره بكل
خير، و افتخار و ذكر رجالاته
العظماء التاريخيين و القائمين
على تسييره الآن و عدّد خصالهم-
و ذكّر بأن هذا الانفلات من بعض
منخرطيه دون علم القيادات التي
لا ترضاه و لن ترضاه و ليس من
طبعها التحريض و لا التحرش-
أنهم اخوتنا في النضال رفاقنا
في المسيرة- فاحفظوا حقّهم رغم
بعض ما يبدو من اختلاف، انهم
كما نحن- مخلصون جادّون- كل
همّهم و أمالهم… رقيّ الشعب و
تقدّم البلد و حق الشغالين- نحن
علينا أن نراعي حقهم و عليهم أن
يراعوا حقّنا-
نحن قوة نضالية عمالية صادقة
النضال خالصة العمل لا تعادي و
لا تهاجم و لا نبحث في شأن أحد و
لا تتدخل في أمره و نشاطه- نعمل
لصالح منخرطينا و مناضلينا- و
لا نهتمّ بغير شؤونهم و حقوقهم-
نقف معهم و في صفهم و نناضل
من أجلهم- و لا تتوقف على الدفاع
عنهم و ما عدا ذلك- فإنا لسنا
بغافلين عن كل الأوضاع السائدة
بالبلد و نتابعها بدقة… انتهت
كلمته و ارتاح الجميع و اطمأنت
النفوس- و بهذا يستقيم الحال
و يشتدّ عود الوطن- “و الرجال
خصائص و الأفذاذ شموع”.
بقلم: رفيق المختار