لايزال موضوع العدالة الانتقالية يثير الاهتمام و الاستفهام خاصة بعد مرور أكثر من ثلاثين شهرا على سقوط النظام البائد في 14 جانفي 2011 و لم يتم الحسم بعد في ملف انتهاكات الماضي و التجاوزات التي ارتكبت في حق عديد الافراد و الجهات . و ينبه عدد من السياسيين و الناشطين الحقوقيين و ممثلي المجتمع المدني من التغافل عن مشروع قانون العدالة الانتقالية الذي يعد ضمانة أساسية للانتقال الديمقراطي و تحقيق أهداف الثورة , و يؤكدون اليوم على أنه من الضروري المصادقة على هذا المشروع و بالتالي تفعيل العدالة الانتقالية التي طال انتظارها .
و لئن تتمثل مهام هيئة الحقيقة و الكرامة التي نص مشروع القانون على إنشائها في التحقيق في الانتهاكات منذ 26 مارس 1956 و جمع روايات و شهادات الضحايا و تقديم قائمة بالضحايا و تحديد مسؤوليات الدولة و مؤسساتها و فهم الاسباب العميقة للانتهاكات و إنشاء قاعدة بيانات عنها و تقديم توصيات لجبر الضرر ( فرديا و اجتماعيا) و الاصلاحات الديمقراطية و المصالحة إضافة إلى الحفاظ على الذاكرة الوطنية و المحفوظات و اتخاذ تدابير فورية لحماية الشهود فإن مسار العدالة الانتقالية في تونس لا يزال في طور الانتظار و المماطلة .و لذلك يؤكد ممثلو المجتمع المدني على ضرورة تمريره في أقرب الآجال و يحرصون على أن يأخذ هذا المشروع مكانته ضمن الإهتمامات الأخرى للمجلس الوطني التأسيسي.
ريم القنطري : المركز الدولي للعدالة الانتقالية
رغم النقد فإن مشروع قانون العدالة الانتقالية يبقى متكاملا وجيدا
إن العدالة الانتقالية يجمعها ارتباط وثيق بالإرادة السياسية, فإذا لم توجد الإرادة السياسية لن توجد العدالة الانتقالية و هو ما تبينه تجارب عدة دول في العالم سبقتنا في الإلتجاء لهذه الآلية .
و إذا طالت الفترة الزمنية و لم نستغل هذه الفرصة يمكن أن تفقد آلية العدالة الانتقالية من بريقها لأن المواطنين لم يعد لديهم اهتمام بقراءة الأخبار المتعلقة بها على أعمدة الصحف و متابعتها في مختلف وسائل الإعلام الأخرى مثلما حدث في دول أخرى غرار كولومبيا . فاهتمام الناس بمعرفة الحقيقة و بالمحاسبة تقلص لأن الحكاية طالت كثيرا.
و للحقيقة لقد انتقدت المنظمات الدولية مشروع قانون العدالة الانتقالية في بعض النقاط و لكنه كمشروع يبقى متكاملا و جيدا مقارنة ببعض التجارب الأخرى , و لكننا نتمسك من جهتنا بضرورة تمريره الآن لأنه إذا لم يتم ذلك في أقرب الآجال فسيفقد فاعليته و من الممكن أن لا يمرر.
كما أن تكوين لجنة حوار وطني و لجنة فنية متكونة من مجتمع مدني فكرة طيبة أثارت الانبهار و الإعجاب في الخارج , و مع أن اللجنة قد أتمت عملها منذ سنة خلت و ذلك في ظرف ستة أشهر إلا أن هذا المشروع بقي في المجلس الوطني التأسيسي لمدة أربعة أشهر .و رغم أن لجنة التشريع العام و لجنة الحقوق و الحريات قد عملا على مشروع قانون العدالة الانتقالية إلا أنه ثمة أولويات أخرى في ذلك الوقت حظيت بالإهتمام أكثر منه.
و لعل من أسباب تأخير النظر في المشروع نذكر أنه تم النظر في مشاريع قوانين ثم تم التراجع عنها في ما بعد مثل قانون تحصين الثورة الذي تطلب تمريره وقتا طويلا إضافة إلى الغيابات المتكررة لبعض النواب . و لا ننسى كذلك اغتيال شكري بلعيد و مرورنا بأزمة تلتها حادثة اغتيال محمد البراهمي.
لقد كان من المفروض أن يتم تمرير هذا المشروع بعد الثورة مباشرة لأننا في فترة انتقالية غير عادية و لا نعرف ماذا يمكن أن يحدث خاصة و أننا لم نتعد بعد مرحلة الانتخابات القادمة .
كمال الغربي: رئيس الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية
المصادقة على مشروع قانون العدالة الانتقالية مرتبط بقرار استئناف المجلس الوطني التأسيسي لأعماله
إن الأحزاب السياسية سواء كانت في السلطة أو في المعارضة بالإضافة إلى المجتمع المدني مهما اختلفت مرجعياته كانت كلها متفقة على المصادقة على مشروع قانون العدالة الانتقالية في هذه المرحلة الانتقالية , فالانطلاقة كانت موحدة من طرف جميع الأطراف قد تختلف ربما في المقاربات و لكن الإرادة موحدة .
و نعتقد الآن أنه ثمة تجاذبات سياسية أحدثت تفرقة , فبعض الأحزاب ترى بأن العدالة الانتقالية ليست من الأولويات الضرورية للمرحلة الحالية باعتبار الأزمة التي نمر بها و ثمة أحزاب سياسية أخرى و بعض مكونات المجتمع تعتبر أن أولوية العدالة الانتقالية لازالت قائمة الذات و تندرج ضمن المهام الأساسية للفترة الانتقالية .
و نحن كشبكة نعتقد بموضوع العدالة الانتقالية الذي له الأولوية كاستكمال الدستور و تكوين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات , كما نعتبر أن تسارع الأحداث جعل مهام المجلس الوطني التأسيسي تتراكم و خاصة عند تعليق نشاطه في حين أن مشروع قانون العدالة الانتقالية جاهز للمصادقة عليه و مناقشته من طرف النواب. و القضية أصبحت مرتبطة بقرار استئناف المجلس الوطني التأسيسي لأعماله و هو قرار لازال غير موجود إلى حد الآن .
زينة العزابي