منذ أكثر من ثلاثين شهرا و منابر الحوار تتوالى سمعيا و بصريا إلى حد أن الجمهور الكريم المسالم افتقد الفنون على الذبذبات الإذاعية و التلفزية و أخذ يستمع إلى كلمات متوهجة و رنانة مثل الحضارة و الحوار الحضاري و السلوك الحضاري… و يظهر أنها مجرد ثرثرة تنطلق بطريقة ميكانيكية دون إدراك حقيقي لباطن الأمور و عمق معناها و هي كلمات تستعمل للفت النظر و خاصة التأثير على المتلقي لأنها لا تعدو أن تكون استعمالات لسانية في وقت تدل التصرفات و المناقشة على أن ذلك يغاير فحوى ما يتردد و يناقض معناه.
الانسان المتحضر الحقيقي مهما بلغ من علوم و من ثقافة و معرفة عليه أن يعلم و يقتنع أنه يوجد من أكثر منه علوما و في شتى المجالات و كان أحد فلاسفة العصر لاحظ (رأيي صواب يحتمل الخطأ… و رأيك خطأ يحتمل الصواب).
و في المنابر الحوارية السمعية و المرئية كل واحد يتفنن في فرض وجهة نظره و تسفية رأي الآخر حتى قبل أن يسمعه لأنه لا يريد الوصول إلى الحقيقة العارية بل يريد الانتصار لكلامه… و المشكل أن كل الحاضرين يتحدثون مرة واحدة و المتفرج و السامع لا يفقه شيئا… الكل يزعم أنه يكشف الحقيقة و لا يريد أن يسمع الآخرون غير صوته.
لا يمكن لأي مسؤول أن يتحدث عن الحضارة قبل أن يترسخ المفهوم الصحيح للحضارة في أعماق النفوس و في العقول و في الضمائر و خاصة في سلوك المسؤول الذي يتشدق بالحضارة.
محمد الكامل