يعلم الجميع أن بلادنا صنعت ثورة العصر الجديد التي أسسها أبناء المناطق المحرومة و الكادحين الذين سقت دمائهم الطاهرة أرض تونس وطن الشرفاء الذين حرّروا الوطن من براثن الاستعمار الغاشم أيام المحن.
لقد انبهر العالم بأسره بما حدث في بلادنا و ما تم تحقيقه من حلم الشعوب التي تسعى لوضع أسس الديمقراطية الحقيقيّة بعيدا عن الرأي الواحد و الزعيم الواحد و عبادة “الأصنام” من رجال السياسة الذين عادة ما يسرقون ثورات الشعوب و يتربعون على عرش الحكم بدعم من جهات أجنبية او منظمات من الداخل و الخارج حسب أجندات محددة لغايات لا تخدم السواد الأعظم من الشعب…
و مع مرور الايام و كما تلتهم النار الهشم انتقلت شعلة الثورة إلى دول عربية أخرى انطلاقا من ليبيا و مصر و تحرك الشارع العربي بأسره ليضغط على الحكومات التي سارعت بعضها للتصدي “لأنفلوانزا” الربيع العربي الجديد و لم يسلم من ثورة التحدي و الكرامة و التشغيل جل دول العالم حتى في أوروبا و أمريكيا…
لكن بقيت بلادنا بعد أن دخلت الاستحقاقات الانتخابية التي أفرزت اغلبية لذوي التوجهات الاسلامية حاول العديد ممن نصبوا أنفسهم معارضين للحزب الذي حظي بالأغلبية و هو حركة النهضة ليتصدى لها و يحاول تعطيل كل تحركاتها و حملاتها للقضاء على الفساد و متابعة ملفات خطيرة تورط فيها عديد “الأباطرة” و الصقور الحقيقيّين للنظام المقبور و لحزبه التجمع الدستوري الديمقراطي الذي تم حله بالقانون و تم ابعاد كل الوجوه التي كانت فاعلة و متسلطة لفترة لم تدم طويلا حتى بدأت رؤوس هؤلاء الثعالب و الأفاعي الخطيرة تعود من أبواب أخرى باسم أحزاب أخرى تدّعي الوطنية و انتمائها للدساترة التابعين للزعيم بورقيبة محرر المرأة و منقذ تونس من الجهل و مهندس الاستقلال…
الأمر الذي لم يستسغه جل التونسيين هذه الأيام هو توظيف بعض القنوات التلفزية المملوكة لخواص و غيرها من وسائل الإعلام المرئية من شبكات التواصل الاجتماعي و الاذاعية و المكتوبة لخدمة “دينصورات” السياسة الفاسدة هؤلاء الشيوخ الذين دخلوا العقد الثامن و مازالوا يحلمون بالزعامة و احتلال المناصب و يساهمون في لعبة الفتنة الكبرى و تقسيم الشعب التونسي ترضية لمن علمهم ذلك و مساندهم من اتباع المخابرات الأجنبية و المتمركزين في مواقع سياسية مشبوهة باسم أحزاب لها توجهات عديدة و خطيرة أحيانا… نقول مرة اخرى لقد حان الوقت لفتح الأبواب في وجوه الشباب المثقف و المتشبع علما و المتمكن من مبادئ الديمقراطية الخالصة ليمسكوا بمشعل التحدي لعبور جسور الدخول في منطقة حكم الشعب دون وصاية و لا تسلط إيديولوجي سواء كان اسلاميا أو علمانيا ليبقى الفيصل الوحيد هو الدفاع عن أمن تونس الغالية و حرمتها و الدفاع عن مصالحها و حماية ثرواتها و تقسيمها لفائدة كل الشعب مع حماية الطبقات المحرومة و قبول الرأي المخالف و العيش تحت مظلة فسيفسائية تضمن للجميع العيش بكل أخوة و تسامح و تصالح مع الابتعاد عن المطالب النقابية المجحفة و التي تحطم الاقتصاد و لا تبني مؤسسات تنعش بلد يعاني أبناؤه البطالة… نقول ختاما ما على التونسيين في هذه الفترة الحساسة سوى التحاور في إطار الديمقراطية و قبول الرأي الآخر لإتمام الدستور و الاستعداد للدخول في أجواء التحضير للاستحقاقات الانتخابية دون تدخلات أجنبية و دمغجة تأتينا من شيوخ بعضهم هرم و لم يعد قادرا حتى على ضبط حاجاته الأساسية لنحقق حلم شعب كادح يحب الحياة و يكره التسلط.
مرشد السماوي